للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لو كان أحد منكم قال هذا القول قبله، قلت: رجل يأتمّ بقول قد قيل قبله، وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت أن لا، فعرفت أنه لم يكن لِيَدَع الكذب على الناس، ويكذب على الله، وسألتك: هل كان من آبائه من ملك؟ فزعمت أن لا، فقلت: لو كان من آبائه مَلِك، قلت: يطلب مُلك آبائه، وسألتك: أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فزعمت أن ضعفاؤهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل، وسألتك: هل يزيدون أو ينقصون؟ فزعمت أنهم يزيدون، وكذلك الإيمان حتى يتمّ، وسألتك: هل يرتدّ أحد سَخْطةً لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فزعمت أن لا، فكذلك الإيمان حين تخلط بشاشته القلوبَ، لا يسخطه أحدٌ، وسألتك: هل يغدر؟ فزعمت أن لا، وكذلك الرسل لا يغدرون، وسألتك: هل قاتلتموه، وقاتلكم؟ فزعمت أن قد فعل، وأن حربكم وحربه تكون دُوَلًا، ويدال عليكم المرة، وتدالون عليه الأخرى، وكذلك الرسل تبتلى، وتكون لها العاقبة، وسألتك: بماذا يأمركم؟ فزعمت أنه يأمركم أن تعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئًا، وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم، ويأمركم بالصلاة، والصدق، والعفاف، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، قال: وهذه صفة النبيّ، قد كنت أعلم أنه خارج، ولكن لم أظنّ أنه منكم، وإن يك ما قلتَ حقًّا، فيوشك أن يملك موضع قدميّ هاتين، ولو أرجو أن أخلص إليه، لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده، لغسلت قدميه.

قال أبو سفيان: ثم دعا بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقرئ، فإذا فيه: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من محمد عبد الله ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعدُ فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تَسْلَم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فعليك إثم الأريسيين، و {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ٦٤].

قال أبو سفيان: فلما أن قضى مقالته عَلَت أصواتُ الذين من حوله، من عظماء الروم، وكَثُر لَغَطُهم، فلا أدري ما قالوا، وأُمِر بنا، فأُخرجنا، فلما أن خرجت مع أصحابي، وخلوت بهم، قلت لهم: لقد أَمِرَ أَمْرُ ابن أبي كبشة، هذا مَلِك بني الأصفر يخافه، قال أبو سفيان: والله ما زلت ذليلًا، مستيقنًا بأن