للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا الله عنه: قد تقدّم في كلام المجد أن أكبّ رباعيًّا يتعدّى ويلزم، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

وقوله: (فَاسْتَقْبَلُونَا بِالسّهَامِ)؛ أي: واجهونا، وكرُّوا علينا برمي السهام بالكسر: جمع سهم، وهو واحدٌ من النَّبْل، وقيل: السهم: نفس النصل (١).

وقوله: (وَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ) تقدّم في حديث العباس - رضي الله عنه -: "وكان على بغلةٍ له بيضاء، أهداها له فَرْوة بن نُفَاثة الْجُذاميّ"، وسيأتي في حديث سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه -: "وكان على بغلته الشهباء"، ووقع عند ابن سعد، وتبعه جماعة ممن صنَّف السيرة: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان على بغلته دُلْدُل.

قال الحافظ رحمه الله: وفيه نظر؛ لأن دُلْدُل أهداها له المقوقس، وقد ذكر القطب الحلبيّ أنه استَشْكَل عند الدمياطيّ ما ذكره ابن سعد، فقال له: كنت تبعته، فذكرت ذلك في السيرة، وكنت حينئذ سِيرِيًّا مَحْضًا، وكان ينبغي لنا أن نذكر الخلاف، قال القطب الحلبيّ: يَحْتَمِل أن يكون يومئذ ركب كُلًّا من البغلتين، إن ثبت أنها كانت صَحِبته، وإلا فما في "الصحيح" أصحّ.

قال الحافظ: ودلّ قول الدمياطيّ أنه كان يعتقد الرجوع عن كثير مما وافق فيه أهل السِّير، وخالف الأحاديث الصحيحة، وأن ذلك كان منه قبل أن يتضلع من الأحاديث الصحيحة، ولخروج نُسَخ من كتابه، وانتشاره، لم يتمكن من تغييره. انتهى (٢).

وقوله: (وَإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ الْحَارِثِ آخِذٌ بِلِجَامِهَا) هذا ظاهر في أن الآخذ بلجام بغلته - صلى الله عليه وسلم - هو أبو سفيان بن الحارث، وقد تقدّم قول العبّاس - رضي الله عنه -: "وأنا آخذ بلجام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَكُفُّها إرادةَ أن لا تُسرع، وأبو سفيان آخذ بركابه"، فكيف الجمع بينهما؟.

قلت: يُجمع بينهما بأن أبا سفيان كان آخذًا أوّلًا بزمامها، فلما رَكَضَها النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى جهة المشركين خَشِي العباس، فأخذ بلجام البغلة يكُفّها، وأخذ أبو سفيان بالرِّكاب، وترك اللجام للعباس؛ إجلالًا له؛ لأنه كان عمه.


(١) "المصباح" ١/ ٢٩٣.
(٢) "الفتح" ٩/ ٤٢٨ - ٤٢٩، كتاب "المغازي" رقم (٤٣١٧).