للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في "تفسيره": قوله: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} الآية [الإسراء: ٨١] تهديدٌ، ووعيد لكفار قريش، فإنَّه قد جاءهم من الله الحق الذي لا مِرْية فيه، ولا قِبَل لهم به، وهو ما بعثه الله به من القرآن، والإيمان، والعلم النافع، وزهق باطلهم؛ أي: اضمَحَلّ، وهلك، فإن الباطل لا ثبات له مع الحقّ، ولا بقاء: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء: ١٨]. انتهى (١).

وقال الإمام ابن جرير الطبريّ - رحمه الله - في "تفسيره": اختَلَف أهل التأويل في معنى الحق الذي أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يُعْلِم المشركين أنَّه قد جاء، والباطل الذي أمره أن يُعْلِمهم أنَّه قد زَهَق، فقال بعضهم: الحق هو القرآن في هذا الموضع، والباطل هو الشيطان.

وقال آخرون: بل عَنَى بالحقّ: جهاد المشركين، وبالباطل: الشرك.

قال: وأَولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: أمر الله تبارك وتعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يخبر المشركين أن الحقّ قد جاء، وهو كلُّ ما كان لله فيه رضًا وطاعةٌ، وأن الباطل قد زَهَق، يقول: وذهب كلُّ ما كان لا رضا لله فيه، ولا طاعة، مما هو له معصية، وللشيطان طاعة، وذلك أن الحق هو كل ما خالف طاعة إبليس، وأن الباطل هو كل ما وافق طاعته، ولم يخصص الله - عز ذكره - بالخبر عن بعض طاعاته، ولا ذهاب بعض معاصيه، بل عمّ الخبر عن مجيء جميع الحقّ، وذهاب جميع الباطل، وبذلك جاء القرآن، والتنزيل، وعلى ذلك قاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل الشرك بالله، أعني على إقامة جميع الحقّ، وإبطال جميع الباطل.

قال: وأما قوله - عز وجل -: {وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} فإن معناه ذهب الباطل، من قولهم زَهَقت نفسه: إذا خرجت، وأزهقتها أنا، ومن قولهم أزهق السهمُ: إذا جاوز الغرضَ، فاستمرّ على جهته، يقال منه: زهق الباطل يَزْهَق زُهُوقًا، وأزهقه الله؛ أي: أذهبه. انتهى كلام ابن جرير - رحمه الله - (٢)، وهو تحقيق مفيدٌ، والله أعلم.

(فَلَمَّا فَرَغَ) - صلى الله عليه وسلم - (مِنْ طَوَافِهِ) بالبيت، (أَتَى الصَّفَا) الجبل بمكة، (فَعَلَا


(١) "تفسير ابن كثير" ٣/ ٦٠.
(٢) "تفسير الطبريّ" ١٥/ ١٥١ - ١٥٢.