قال الجامع عفا الله عنه: تقدّم أنّه لا يخفى كون هذا الظنّ الذي شنّ الغارة عليه ابن القيّم، من أقوى ما يُستدل به على صحة التأويل الماضي، فتأمله بالإنصاف، والله تعالى أعلم.
٣٤ - (ومنها): جواز صلح الكفار على ردّ من جاء منهم إلى المسلمين، وأن لا يُرَدّ من ذهب من المسلمين إليهم، هذا في غير النساء، وأما النساء فلا يجوز اشتراط ردهنّ إلى الكفار، وهذا موضع النسخ خاصّة في هذا العقد، بنصّ القرآن، ولا سبيل إلى دعوى النسخ في غيره بغير موجب.
٣٥ - (ومنها): أن خروج البُضْع من ملك الزوج متقوَّم، ولذلك أوجب الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - ردّ المهر على من هاجرت امرأته، وحيل بينه وبينها، وعلى من ارتدت امرأته من المسلمين، إذا استحقّ الكفار عليهم ردّ مهور من هاجر إليهم من أزواجهم، وأخبر أن ذلك حكمه الذي حكم به بينهم، ثم لم ينسخه شيء، وفي إيجابه ردّ ما أعطى الأزواج من ذلك دليل على تقوّمه بالمسمى، لا بمهر المثل.
٣٦ - (ومنها): أن ردّ من جاء من الكفار إلى الإمام، لا يتناول من خرج منهم مسلمًا إلى غير بلد الإمام، وأنه إذا جاء إلى بلد الإمام لا يجب عليه ردّه بدون الطلب، فإن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يردّ أبا بصير حين جاءه، ولا أكرهه على الرجوع، ولكن لمّا جاءوا في طلبه مَكَنهم من أخذه، ولم يُكرهه على الرجوع.
٣٧ - (ومنها): أن المعاهَدين إذا تسلموه، وتمكنوا منه، فقَتَل أحدًا منهم لم يضمنه بِدِيَة، ولا قَوَد، ولم يضمنه الإمام، بل يكون حكمه في ذلك حكم قَتْله لهم في ديارهم، حيث لا حكم للإمام عليهم، فإن أبا بصير قَتَل أحد الرجلين المعاهَدين بذي الحليفة، وهي من حُكم المدينة، ولكن كان قد تسلّموه، وفُصِل عن يد الإمام، وحكمه.
٣٨ - (ومنها): أن المعاهَدين إذا عاهدوا الإمام، فخرجت منهم طائفة فحاربتهم، وغَنِمت أموالهم، ولم يتحيزوا إلى الإمام، لم يجب على الإمام دفعهم عنهم، ومنعهم منهم، وسواء دخلوا في عقد الإمام، وعهده، ودينه، أو لم يدخلوا، والعهد الذي كان بين النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وبين المشركين لم يكن عهدًا بين أبي بصير وأصحابه وبينهم، وعلى هذا فإذا كان بين بعض ملوك المسلمين،