للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَوَضَعْتُ سَهْمًا فِي كَبِدِ الْقَوْسِ)؛ أي: وسطها حيث يَقبِض الرامي، قال الخليل: كَبِدُ كلِّ شيء: وسطه (١). (فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْمِيَهُ)؛ أي: أبا سفيان، (فَذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ" أي: لا تُفزعهم، وتُحرّكهم، (وَلَوْ رَمَيْتُهُ لأَصَبْتُهُ)؛ أي: لكونه قريبًا منه، وعند ابن هشام: "قال: فذهبت، فدخلت في القوم، والريح، وجنود الله تفعل بهم ما تفعل، لا تُقِرّ لهم قِدْرًا، ولا نارًا، ولا بناءً، فقام أبو سفيان، فقال: يا معشر قريش: لينظر امرؤ من جليسه؟ قال حذيفة: فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبي، فقلت: من أنت؟ قال: فلان بن فلان" (٢).

(فَرَجَعْتُ) إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وقوله: (وَأَنَا أَمْشِي فِي مِثْلِ الْحَمَّامِ) جملة في محلّ نصب على الحال من الفاعل، (فَلَمَّا أَتَيْتُهُ) - صلى الله عليه وسلم - (فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ)؛ أي: بما حصل لهم من البرد، والريح الشديد، وأزعجهم، وقد ذكر ابن هشام ما حصل لهم، وما قاله أبو سفيان لجيشه في ذلك، فقال: "ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش، إنكم والله ما أصبحتم بدار مُقام، لقد هَلَك الْكُراع، والْخُفّ، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شِدّة الريح ما ترون، ما تطمئنّ لنا قِدْرٌ، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناءُ، فارتحلوا، فإني مرتحلٌ، ثم قام إلى جمله، وهو معقول، فجلس عليه، ثم ضربه، فوثب به على ثلاث، فوالله ما أَطلق عقاله إلا وهو قائم، ولولا عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليّ: "أن لا تُحدِث شيئًا حتى تأتيني"، ثم شئت، لقتلته بسهم، قال: وسَمِعت غَطَفانُ بما فعلت قريش، فانشمَرُوا راجعين إلى بلادهم (٣).

قال الجامع عفا الله عنه: وهذا ما أخبر الله - عَزَّ وَجَلَّ - به بقوله: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (٢٥)} [الأحزاب: ٢٥].

(وَفَرَغْتُ، قُرِرْتُ) - بضمّ القاف مبنيًّا للمفعول؛ أي: أصابني القُرّ؛ أي: البرد، (فَأَلْبَسَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ فَضْلِ عَبَاءَةٍ) قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: "الْعَبَاءة"


(١) "المفهم" ٣/ ٦٤٨.
(٢) "سيرة ابن هشام" ٢/ ٢٣١.
(٣) "سيرة ابن هشام" ٢/ ٢٣٢.