[الثاني]: أنه لعله كان يوم أُحد في أول الرابعة عشرة، ويوم الخندق في آخر الخامسة عشرة.
وكان سبب غزوة الخندق أن اليهود لمّا رأوا انتصار المشركين على المسلمين يوم أُحُد، وعلموا بميعاد أبي سفيان لغزو المسلمين، فخرج لذلك، ثم رجع للعام المقبل، خرج أشرافهم، كسَلّام بن أبي الْحُقَيق، وسَلَّام بن مِشْكَم، وكِنانة بن الربيع، وغيرهم إلى قريش بمكة، يُحَرِّضونهم على غزو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويؤلّبونهم عليه، ووعدوهم من أنفسهم بالنصر لهم، فأجابتهم قريش، ثم خرجوا إلى غَطَفان، فدعوهم، فاستجابوا لهم، ثم طافوا في قبائل العرب يدعونهم إلى ذلك، فاستجاب لهم من استجاب، فخرجت قريش، وقائدهم أبو سفيان في أربعة آلاف، ووافتهم بنو سُلَيم بِمَرّ الظَّهْران، وخرجت بنو أسد، وفزارة، وأشجع، وبنو مُرّة، وجاءت غطفان، وقائدهم عُيينة بن حِصْن، وكان مَن وافى الخندق من الكفار عشرة آلاف.
فلما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمسيرهم إليه استشار الصحابة - رضي الله عنهم -، فأشار عليه سلمان الفارسيّ - رضي الله عنه - بحفر خندق يحول بين العدوّ وبين المدينة، فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبادر إليه المسلمون، وعَمِل بنفسه فيه، وبادروا هجومَ الكفار عليهم، وكان في حفره من آيات نبوّته - صلى الله عليه وسلم -، وأعلام رسالته ما قد تواتر الخبر به، وكان حَفْر الخندق أمام سَلْع، وسَلْعٌ: جبل خلف ظهور المسلمين، والخندق بينهم وبين الكفار، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة آلاف من المسلمين، فتحصن بالجبل من خلفه، وبالخندق أمامهم.
وقال ابن إسحاق: خرج في سبعمائة، قال ابن القيّم: وهذا غَلَطٌ من خروجه يوم أُحد. وأمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالنساء، والذراريّ، فجُعلوا في آطام المدينة، واستَخْلَف عليها ابن أم مكتوم.
وانطلق حُيَيّ بن أخطب إلى بني قريظة، فدنا من حصنهم، فأبى كعب بن أسد أن يفتح له، فلم يزل يكلمه حتى فتح له، فلما دخل عليه، قال: لقد جئتك بعزّ الدهر، جئتك بقريش، وغطفان، وأسد، على قادتها لحرب محمد، قال كعب: جئتني والله بذُلّ الدهر، وبِجَهَامٍ (١) قد هراق ماؤه، فهو يرعد،