أكرمنا الله بالإسلام، وهدانا له، وأعزّنا بك، نعطيهم أموالنا؟ والله لا نعطيهم إلا السيف، فَصَوَّب رأيهما، وقال:"إنما هو شيء أصنعه لكم؛ لمّا رأيت العرب قد رَمَتكم عن قَوْسٍ واحدة".
ثم إن الله عز وجل - وله الحمد - صنع أمرًا من عنده خَذَل به العدوّ، وهَزَم جموعهم، وفَلّ حَدَّهم، فكان مما هيأ من ذلك أن رجلًا من غطفان، يقال له نعيم بن مسعود بن عامر - رضي الله عنه - جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، إني قد أسلمت، فَمُرْني بما شئت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما أنت رجل واحد، فَخَذِّل عنّا ما استطعت، فإن الحرب خُدْعة"، فذهب من فوره ذلك إلى بني قريظة، وكان عَشِيرًا لهم في الجاهلية، فدخل عليهم، وهم لا يعلمون بإسلامه، فقال: يا بني قريظة إنكم قد حاربتم محمدًا، وإن قريشًا إن أصابوا فُرْصةً انتهزوها، وإلا انشمروا إلى بلادهم راجعين، وتركوكم ومحمدًا، فانتقم منكم، قالوا: فما العمل يا نعيم؟ قال: لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن، قالوا: لقد أشرت بالرأي، ثم مضى على وجهه إلى قريش، فقال لهم: تعلمون وُدِّي لكم، ونُصحي لكم، قالوا: نعم، قال: إن يهود قد نَدِمُوا على ما كان منهم، من نقض عهد محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وإنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن، يدفعونها إليه، ثم يمالئونه عليكم، فإن سألوكم رهائن، فلا تعطوهم، ثم ذهب إلى غطفان، فقال لهم مثل ذلك، فلما كان ليلة السبت من شوال، بعثوا إلى اليهود: إنا لسنا بأرض مُقام، وقد هلك الكُراع، والْخُفّ، فانهضوا بنا حتى نناجز محمدًا، فأرسل إليهم اليهود: إن اليوم يوم السبت، وقد علمتم ما أصاب مَن قبلنا حين أحدثوا فيه، ومع هذا، فإنا لا نقاتل معكم، حتى تبعثوا إلينا رهائن، فلما جاءتهم رسلهم بذلك، قالت قريش: صدقكم والله نعيم، فبعثوا إلى يهود: إنا والله لا نرسل إليكم أحدًا، فاخرجوا معنا حتى نناجز محمدًا، فقالت قريظة: صدقكم والله نعيم، فتخاذل الفريقان، وأرسل الله على المشركين جندًا من الريح، فجعلت تُقَوِّض خيامهم، ولا تَدَع لهم قِدْرًا إلا كفأتها، ولا طُنُبًا إلا قلعته، ولا يَقِرّ لهم قرار، وجُنْد الله من الملائكة يزلزلونهم، ويُلقون في قلوبهم الرعب والخوف، وأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حذيفة بن اليمان يأتيه بخبرهم، فوجدهم على هذه الحال، وقد تهيئوا للرحيل،