للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقوله أيضًا: (تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، قَالَ جَابِرٌ: لَمْ أَشْهَدْ بَدْرًا، وَلَا أُحُدًا) قال النوويّ - رحمه الله -: هذا صريح منه بأن غزوات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم تكن منحصرة في تسع عشرة، بل زائدة، وإنما مراد زيد بن أرقم، وبُريدة - رضي الله عنهما - بقولهما: "تسع عشرة" أن منها تسع عشرة، كما صَرَّح به جابر - رضي الله عنه -، فقد أخبر جابر أنها إحدى وعشرون، كما ترى، وقد قدمنا أنها سبع وعشرون، وأما قوله في الرواية الأخرى، عن بريدة: "ست عشرة غزوةً"، فليس فيه نفي الزيادة. انتهى (١).

(مَنَعَنِي أَبِي)؛ أي: لأجل أن يقوم على أخواته، ففي رواية قال: "كان يُخلّفني على أخواتي، وكنّ تسعًا"، وقال القرطبيّ - رحمه الله -: سبب منع أبيه له أنه كان لجابر أخوات، ولم يكن لأبيه من يقوم عليهنّ غيره، فحبسه عن الغزو لذلك، كما جاء في الرواية الأخرى (٢).

وأبو جابر هو: عبد الله بن حرام بن ثعلبة بن حرام الأنصاريّ الخزرجيّ السَّلَميّ الصحابيّ المشهور، معدود في أهل العقَبَة وبدر، وكان من النقباء، واستُشهد بأُحُد، ثبت ذِكْره في "الصحيحين" من حديث وَلَدِه، قال: لمّا قُتل أبي يوم أُحد، جعلت أكشف الثوب عن وجهه … الحديث، وفيه: "ما زالت الملائكة تُظله بأجنحتها"، ورَوَى الترمذيّ من حديث جابر: لقيني النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "يا جابر ما لي أراك منكسرًا؟ " فقلت: يا رسول الله قُتل أبي، وترك دَينًا، وعيالًا، فقال: "ألا أُخبرك؟ ما كلم الله أحدًا قط إلا من وراء حجاب، وكلم أباك كَفَاحًا، قال: يا عبدي سلني أعطك … " الحديث.

وقال جابر: حَوَّلت أبي بعد ستة أشهر، فما أنكرت منه شيئًا إلا شَعَرات من لحيته، كانت مستها الأرض.

ورَوَى مالك في "الموطأ" عن عبد الرحمن بن أبي صَعْصعة، أنه بلغه أن عمرو بن الْجَمُوح، وعبد الله بن عمرو بن حرام كانا قد حَفَر السَّيل عن قبرهما، وكانا في قبر واحد، مما يلي السيل، فحَفَر عنهما، فوُجدا لم يتغيرا، كأنهما ماتا بالأمس، وكان أحدهما وَضَع يده على جرحه، فدُفن، وهو كذلك،


(١) "شرح النوويّ" ١٢/ ١٩٦.
(٢) "المفهم" ٣/ ٦٩٣.