للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وتَرَكها، لرأيت أن قد ضَيَّعَ، فرعاية الناس أشدّ، وفيه قول عمر في جواب ذلك: إن الله يحفظ دينه". (جَزَاكَ اللهُ خَيْرًا)؛ أي: أثابك الله تعالى خيرًا على ما قمت به من أمر المسلمين حقَّ القيام، وأحسنت إليهم أتمّ إحسان. (فَقَالَ) عمر - رضي الله عنه - (رَاغِبٌ، وَرَاهِبٌ) خبر لمحذوف؛ أي: أنا راغب في رحمة الله تعالى، وراهب عن عقابه، وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "راغبٌ، وراهب أي: راج، وخائف، ومعناه: الناس صنفان: أحدهما يرجو، والثاني يخاف؛ أي: راغب في حصول شيء مما عندي، أو راهب مني، وقيل: أراد: إني راغب فيما عند الله تعالى، وراهب من عذابه، فلا أُعَوِّل على ما أثنيتم به عليّ، وقيل: المراد: الخلافة؛ أي: الناس فيها ضربان: راغبٌ فيها، فلا أحبّ تقديمه؛ لرغبته، وكاره لها، فأخشى عجزه عنها. انتهى (١).

وقال ابن بطال - رَحِمَهُ اللهُ -: يَحْتَمِل أمرين: أحدهما أن الذين أثنوا عليه إما راغب في حُسن رأيي فيه، وتقريبي له، وإما رأهب من إظهار ما يُضمِره من كراهته، أو المعنى: راغب فيما عندي، وراهب مني، أو المراد: الناس راغبٌ في الخلافة، وراهب منها، فإن وَلَّيت الراغب فيها خَشِيت أن لا يُعان عليها، وإن ولّيت الراهب منها، خَشِيت أن لا يقوم بها (٢).

وقال القاضي عياض توجيهًا آخر: أنهما وَصْفان لعمر؛ أي: راغبٌ فيما عند الله، راهب من عقابه، فلا أُعَوِّل على ثنائكم، وذلك يَشْغَلني عن العناية بالاستخلاف عليكم. انتهى (٣).

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "راغب، وراهبٌ": هذا خبر مبتدأ محذوف؛ أي: أنتم على هذين الحالين، أو مبتدأ وخبره محذوف؛ أي: منكم راغبٌ، ومنكم راهبٌ، ثم ما الذي رَغِبُوا فيه، ورَهِبُوا منه؟ فظاهره أنه الثناء المتقدّم الذي أثنوا عليه؛ أي: منهم من رَغِب في الثناء؛ لغرض له، ومنهم من رَغِب عنه لِمَا يخاف منه، وقيل: راغب في الخلافة؛ لنيل منصبها، وراهب منها؛


(١) "شرح النوويّ" ١٢/ ٢٠٤ - ٢٠٥.
(٢) "شرح البخاريّ" لابن بطّال ٨/ ٢٨٣.
(٣) "الفتح" ١٧/ ٥٩.