٣ - (ومنها): بيان ما أعطى الله نبيّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من المعجزة الباهرة، حيث عرّفه أحوال الناس، فكان يرى أن فلانًا يصلح لهذا، وفلانًا لا يصلح لهذا، فقد أعلمه الله أن أبا ذرّ - رضي الله عنه - لا يصلح للإمارة؛ وذلك لشدّة زهده، وابتعاده عن الدنيا، وأهلها، فلو تولّى أمور الناس لفسدت أحوالهم، واختلّ نظام حياتهم، وقد ظهر مصداق ذلك حيث اختلف مع معاوية - رضي الله عنهما - في آية الكنز، فقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، وقال أبو ذرّ: نزلت فيهم، وفينا، فكان لا يرى إمساك ما فَضَل عن الحاجة؛ لأنه كنز، يدخل صاحبه في الوعيد المذكور في الآية، ولذا شكاه معاوية إلى عثمان - رضي الله عنه -، فاستقدمه عثمان إلى المدينة، ثم أخذ أيضًا يختلف مِع أهل المدينة في ذلك، فرأى عثمان - رضي الله عنه - أن يعتزل عن الناس، ويسكن الرَّبَذة، فسَكَنها حتى مات - رضي الله عنه -.
قال الإمام أحمد - رَحِمَهُ اللهُ - في "مسنده":
(٢٧٦٢٩) - حدّثنا عبد الله، حدّثني أبي، ثنا هاشم، قال: ثنا عبد الحميد، قال: ثنا شهرٌ، قال: حدّثتني أسماء بنت يزيد: أن أبا ذرّ الغفاريّ كان يخدُم النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإذا فرغ من خدمته آوى إلى المسجد، فكان هو بيته، يضطجع فيه، فدخل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسجد ليلة، فوجد أبا ذر نائمًا منجدلًا في المسجد، فنَكَته رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برجله، حتى استوى جالسًا، فقال له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألا أراك نائمًا؟ "، قال أبو ذرّ: يا رسول الله فأين أنام؟ هل لي من بيت غيره؟ فجلس إليه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال له:"كيف أنت إذا أخرجوك منه؟ " قال: إذًا ألحق بالشام، فإن الشام أرض الهجرة، وأرض المحشر، وأرض الأنبياء، فأكون رجلًا من أهلها، قال له:"كيف أنت إذا أخرجوك من الشام؟ "، قال: إذًا أرجع إليه، فيكون هو بيتي ومنزلي، قال له:"كيف أنت إذا أخرجوك منه الثانية؟ " قال: إذًا آخذ سيفي، فأقاتل عني حتى أموت، قال: فكشَّر إليه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأثبته بيده، قال:"أدلك على خير من ذلك؟ " قال: بلى بأبي أنت وأمي يا نبي الله، قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تنقاد لهم حيث قادوك، وتنساق لهم حيث ساقوك، حتى تلقاني وأنت على ذلك". انتهى (١).
(١) حديث حسن، أخرجه الإمام أحمد - رَحِمَهُ اللهُ - في "مسنده" ٦/ ٤٥٧، وعبد الحميد بن =