أي: لا تسلّطنّ، ولا تصيرنّ أميرًا (عَلَى اثْنَيْنِ) أراد به عدم التولّي مطلقًا، فعبّر بأقلّ ما يُمكن الحكم فيه بين الخصوم، (وَلَا تَوَلَّيَن مَالَ يَتِيمٍ")، وفي بعض النسخ: "ولا تولّينّ على مال يتيم"، وهو مِن الناس مَن مات أبوه، ومن البهائم ما ماتت أمه، وقد نظمت ذلك:
أي: لا تَصِرْ واليًا على يتيم؛ لشدّة الوعيد على من فرّط فيه، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (١٠)} [النساء: ١٠]، وقد عدَّ النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْلَ مال اليتيم من السبع الموبقات، فقد أخرج الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اجتنبوا السبع الموبقات"، قالوا: يا رسول الله، وما هنّ؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حَرَّم الله، إلَّا بالحقّ، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزَّحْف، وقَذف المحصنات المؤمنات الغافلات"، والله تعالى أعلم.
مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أبي ذرٍّ - رضي الله عنه - هذا من أفراد المصنّف - رَحِمَهُ اللهُ -.
[فإن قلت]: كيف أخرج مسلم هذا الحديث، وفي إسناده سالم الجيشانيّ، قال عنه في "التقريب": مقبول؛ أي: يحتاج إلى متابع؟.
[قلت]: سالم هذا روى عنه جماعة، ووثّقه ابن حبّان، وأخرج له مسلم، ولم يتكلّم فيه أحد، فأقلّ أحواله أن يكون حسن الحديث، ثم إن حديثه هذا يشهد له حديث أبي ذرّ - رضي الله عنه - المذكور قبله، وكذا حديث: السبع الموبقات المذكور آنفًا.
والحاصل أن الحديث صحيح دون تردّد، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [٤/ ٤٧١٢](١٨٢٦)، و (أبو داود) في "سننه" (٢٨٦٨)، و (النسائيّ) في "الوصايا" (٦/ ٢٥٥) و"الكبرى" (٤/ ١١٢)، و (أحمد) في