للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٤ - (ومنها): منعُ العمال من قبول الهدية، ممن له عليه حُكم، ومحلّ ذلك إذا لَمْ يأذن له الإمام في ذلك؛ لِمَا أخرجه الترمذيّ من رواية قيس بن أبي حازم، عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: بعثني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى اليمن، فقال: "لا تُصِيبَنّ شيئًا بغير إذني، فإنه غلول"، وقال المهلّب: فيه أنَّها إذا أُخذت تُجعل في بيت المال، ولا يختص العامل منها إلَّا بما أَذِن له فيه الإمام، وهو مبنيّ على أنَّ ابن اللتبية أخذ منه ما ذَكَر أنه أُهدي له، قال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهو ظاهر السياق، ولا سيما في رواية معمر قبلُ، ولكن لَمْ أر ذلك صريحًا، قال: ونحوه قول ابن قُدامة في "المغني" - لَمّا ذَكَر الرشوة -: وعليه رَدّها لصاحبها، ويَحْتَمِل أن تُجعل في بيت المال؛ لأنَّ النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يأمر ابن اللتبية بردّ الهدية التي أُهديت له لمن أهداها.

وقال ابن بطال: يُلْحق بهدية العامل الهدية لمن له دَيْنٌ ممن عليه الدَّين، ولكن له أن يحاسب بذلك من دَينه. انتهى (١).

وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وفي هذا الحديث بيان أن هدايا العمال حرام، وغلول؛ لأنه خان في ولايته، وأمانته، ولهذا ذَكَر في الحديث في عقوبته وحَمْله ما أُهدي إليه يوم القيامة، كما ذَكَر مثله في الغالّ، وقد بَيَّن - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في نفس الحديث السبب في تحريم الهدية عليه، وأنها بسبب الولاية، بخلاف الهدية لغير العامل، فإنها مستحبة، وقد سبق بيان حُكم ما يقبضه العالم ونحوه باسْم الهدية، وأنه يردّه إلى مُهديه، فإن تعذّر فإلى بيت المال. انتهى (٢).

وقال البغويّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "شرح السنّة": في الحديث دليلٌ على أنَّ هدايا العُمّال، والولاة، والقضاة سُحْتٌ؛ لأنه إنما يُهدِي إلى العامل؛ ليُغمض له في بعض ما يجب عليه أداؤه، ويبخس بحقّ المساكين، ويُهدِي إلى القاضي؛ ليميل إليه في الحكم، أو لا يؤمَن من أن تَحمله الهديّة عليه. انتهى (٣).

٥ - (ومنها): أن فيه إبطالَ كلّ طريق يَتوصّل بها من يأخذ المال إلى محاباة المأخوذ منه، والانفراد بالمأخوذ.


(١) راجع: "الفتح" ١٦/ ٧٠٠ - ٧٠١ رقم (٧١٧٤).
(٢) "شرح النوويّ" ١٢/ ٢٢٠.
(٣) "شرح السُّنَّة" ٥/ ٤٩٨.