للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولا يجترئ في أخذه؛ لأنه حرام، يعذَّب به صاحبه يوم القيامة، كما سيق بيان الوعيد فيه.

قال القاضي عياض - رَحِمَهُ اللهُ -: وفيه تعظيم القليل من الغلول بقوله: "فليجيئ بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذ"، وذلك على قَدْر ما يراه الإمام له، من استحقاقه في عمله، أو حاجته، أو سابقته، وقد جاء أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أباح لمعاذ - رضي الله عنه - قبول الهديّة حين وجّهه إلى اليمن؛ ليَجبُر بها ما جرى عليه من التفليس، والظنّ بمعاذ أنه لا يَقبل منها إلَّا ما طابت به نفس مُهديه، وأنه ممن لا يصانع أحدًا في الحقّ من أجلها، فكانت خصوصًا لمعاذ؛ لِمَا عَلِم منه النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من النزاهة، والورع، والديانة، ولم يُبح ذلك لغيره، ممن لَمْ يكن عنده بمنزلته. انتهى (١).

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وليس لأحدٍ أن يتمسك في استباحة هدايا الأمراء؛ بأن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقبل الهدية، ولا بما يُروى أن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أباح لمعاذٍ الهدية حين وجَّههُ إلى اليمن.

وأما الجواب عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فبوجهين:

أحدهما: أنه كان لا يقبل الهدية إلَّا ممن يَعْلَم أنه طيّب النفس بها، ومع ذلك فكان يكافئ عليها بأضعافها غالبًا.

والثَّاني: أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معصوم عن الجَوْر والمَيْل الذي يُخاف منه على غيره بسبب الهدية.

وأما عن حديث معاذ - رضي الله عنه - فلأنه لَمْ يجئ في الصحيح (٢)، ولو صحَّ لكان ذلك مخصوصًا بمعاذ - رضي الله عنه -؛ لِمَا عَلِمَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حاله، وتحقُّقه من فضله، ونزاهته، ما لا يشاركه فيه غيره، ولم يُبح ذلك لغيره؛ بدليل هذه الأحاديث الصّحاح، والله أعلم. انتهى (٣)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "إكمال المعلم" ٦/ ٢٣٨ - ٢٣٩.
(٢) قال ابن العربيّ المالكيّ في "عارضة الأحوذيّ " (٦/ ٨٢): قد روي أن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمّا قدّم معاذًا على اليمن قال له: "قد علمت الذي دار عليك في مالك، وقد طيّبت لك الهديّة"، ثم عقّب عليه بقوله: ولم يصحّ سندًا، ولا معنى. انتهى.
(٣) "المفهم" ٤/ ٣٢ - ٣٣.