للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لأنه - صلى الله عليه وسلم - أجاب عنه في نفس المجلس (١)، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: سكوتُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن السائل حتى كرّر السؤال ثلاثًا، يَحْتَمِل أن يكون لأنه كان ينتظر الوحي، أو لأنه كان يستخرج من السائل حرصه على مسألته، واحتياجه إليها، أو لأنه كَرِه تلك المسألة؛ لأنها لا تصدر في الغالب إلا من قلب فيه تشوّف لمخالفة الأمراء، والخروج عليهم. انتهى (٢).

(ثُمَّ سَأَلَهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ فِي الثَّالِثَةِ، فَجَذَبَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسِ) بن معدي كرب الْكِنديّ، أبو محمد الصحابيّ، نزل الكوفة، ومات سنة (٤٠ أو ٤١ أو ٤٦) تقدّم في "الإيمان" ٦٤/ ٣٦٢.

والمعنى: أنه لَمّا رأى الأشعث - رضي الله عنه - إعراض النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن الجواب عن سؤاله جذبه إلى نفسه؛ ليمنعه عن الاستمرار على السؤال؛ مخافة أن يسخط النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولكنه - صلى الله عليه وسلم - أجاب عن سؤاله (وَقَالَ: "اسْمَعُوا) قولهم، (وَأَطِيعُوا) أمْرهم، أو اسمعوا ظاهرًا، وأطيعوا باطنًا، (فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا) - بتشديد الميم مبنيًّا للمفعول -؛ أي: ما كُلِّفُوا به من العدل، وإعطاء الرعية حقّهم، (وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ) بضبط ما قبله؛ أي: كُلّفتم به، قال الطيبيّ: قدَّم الجارّ والمجرور على عامله؛ للاختصاص؛ أي ليس على الأمراء إلا ما حمّلهم الله، وكَلَّفهم به من العدل والتسوية، فإذا لم يقوموا بذلك فعليهم الوزر والوبال، وأما أنتم فعليكم ما كُلِّفتم به من السمع والطاعة، وأداء الحقوق، فإذا قمتم بما عليكم فالله تعالى يتفضل عليكم، ويثيبكم به.

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: يعني: أن الله تعالى كلَّف الولاة العدل، وحسن الرعاية، وكلّف المُوَلَّى عليهم الطاعة، وحسن النصيحة، فأراد أنه إن عصى الأمراءُ اللهَ فيكم، ولم يقوموا بحقوقكم، فلا تعصوا الله أنتم فيهم، وقوموا بحقوقهم، فإن الله مُجازٍ كل واحدٍ من الفريقين بما عَمِلَ. انتهى (٣).

وقال المباركفويّ - رحمه الله - في "شرح الترمذيّ": "وإنما عليكم ما حُمِّلتم"؛


(١) راجع: "تكملة فتح الملهم" ٣/ ٣٤١.
(٢) "المفهم" ٤/ ٥٥.
(٣) "المفهم" ٤/ ٥٥.