للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَقَالَ) عبد الله بن مطيع (اطْرَحُوا لأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) كنية عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -، (وِسَادَةً) بالكسر؛ أي: مِخَدّة، (فَقَالَ) عبد الله بن عمر (إِنِّي لَمْ آتِكَ لأَجْلِسَ، أَتَيْتُكَ لأُحَدِّثَكَ حَدِيثًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُهُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ) شرطيّة، أو موصولة مبتدأ، (خَلَعَ)؛ أي: نزع (يَدًا مِنْ طَاعَةٍ)؛ أي: من طاعة ولِيّ الأمر الذي بايعه، قال الطيبيّ - رحمه الله -: قوله: "من طاعة أي: أيّ طاعة كانت، قليلةً، أو كثيرةً، ولَمّا كان وضع اليد كنايةً عن العهد، وإنشاء البيعة لجري العادة على وضع اليد على اليد حالَ المعاهدة، كَنَى عن النقض بخلع اليد ونَزْعها، يريد: مَن نَقَضَ العهد، وخلع نفسه عن بيعة الإمام، لقي الله تعالى آثمًا، لا عذر له. انتهى (١). (لَقِيَ) بكسر القاف، (اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ)؛ أي: لا حجة له في فعله، ولا عُذر له ينفعه. (وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً") قال القرطبيّ - رحمه الله -: تحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - عبدَ الله بنَ مطيع بهذا الحديث الذي سمعه من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إنما كان ليبيّن له أنه لم ينكُث بيعة يزيد، ولم يخلعها من عنقه مخافة هذا الوعيد الذي تضمّنه هذا الحديث. انتهى (٢).

وقال الأبيّ - رحمه الله - في "شرحه": كان مذهب ابن عمر مَنْع القيام على الإمام وخَلْعه إذا حَدَث فسقه بعد عقد البيعة له، فلذلك ذَكَر له الحديث، والمنع من القيام هو مذهب الأكثرين، أو هو مذهب الجميع، كما ذكر ابن مجاهد، واحتَجَّ من أجاز القيام والخروج بقيام الحسين، وابن الزبير بمكة، وأهل المدينة على بني أميّة، واحتَجّ الأكثر للمنع بأنه ظاهر الأحاديث كما ترى، وبأن القيام ربّما أثار فتنةً وقتلًا وانتهاك حرمة كما اتّفق ذلك في قضيّة الحَرّة وغيرها.

وقيل: إن الخلاف كان في الصدر الأول، ثم انعقد الاتفاق على المنع.

[فإن قلت]: الخلاف إنما هو في الإمام العدل إذا حدث فسقه بعد انعقاد الخلافة له، وأما الفاسق قبل عقدها فاتّفقوا على أنها لا تنعقد له، ويزيد كان كذلك قبل انعقادها له.


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٨/ ٢٥٦٤.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٨/ ٢٥٦٤.