للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نراه الآن مشاهدًا فيما هو دونها، وإلى ذلك أشار ابن عمر - رضي الله عنهما - بقوله: "كانت رحمةً من الله"؛ أي: كان خفاؤها عليهم بعد ذلك رحمةً من الله تعالى، ويَحْتَمِل أن يكون معنى قوله: "رحمةً من الله"؛ أي: كانت الشجرة موضع رحمة الله، ومحلّ رضوانه؛ لنزول الرضا عن المؤمنين عندها. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى بُعدُ هذا الاحتمال الثاني، فالأول هو الذي يقتضيه سياق الحديث، فتأمله بالإمعان.

وقد أجاد النوويّ - رحمه الله - حيث قال: سبب خفائها أن لا يفتتن الناس بها لِمَا جرى تحتها من الخير، ونزول الرضوان، والسكينة، وغير ذلك، فلو بقيت ظاهرةً معلومةً لخيف تعظيم الأعراب والجهال إياها، وعبادتهم إياها، وكان خفاؤها رحمةً من الله تعالى. انتهى (٢).

(فَإِنْ كَانَتْ تَبَيَّنَتْ لَكُمْ، فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ) هذا الكلام من ابن الْمُسّيِّب إنكار على من يدّعي معرفتها من التابعين الذين لم يشاهدوا البيعة تحتها؛ لأنها خفيت على الصحابة الذين بايعوا تحتها، فكيف يعرفها من لم يشاهدها؟.

وفي رواية للبخاريّ: "ذُكرت عند سعيد بن المسيِّب الشجرةُ، فضَحِك، فقال: أخبرني أبي، وكان شهدها". قال في "الفتح" عند شرح هذا الموضع ما نصّه: لكن إنكار سعيد بن المسيِّب على مَن زعم أنه عرفها معتمدًا على قول أبيه: إنهم لم يعرفوها في العام المقبل، لا يدلّ على رفع معرفتها أصلًا، فقد ثبت قول جابر الذي سبق في الباب: "لو كنت أُبصر اليومَ لأريتكم مكان الشجرة"، فهذا يدلّ على أنه كان يضبط مكانها بعينه، وإذا كان في آخر عمره بعد الزمان الطويل يضبط موضعها، ففيه دلالة على أنه كان يعرفها بعينها؛ لأن الظاهر أنها حين مقالته تلك كانت هلكت، إما بجفاف، أو بغيره، واستمرّ هو يعرف موضعها بعينه، وعند ابن سعد بإسناد صحيح عن نافع، أن عمر - رضي الله عنه - بلغه أن قومًا يأتون الشجرة، فيصلّون عندها، فتوعّدهم، ثم أمر بقطعها، فقُطِعت. انتهى.


(١) "الفتح" ٧/ ٢١٨، كتاب "الجهاد" رقم (٢٩٥٨).
(٢) "شرح النوويّ" ١٣/ ٥.