للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الصحابيّ - رضي الله عنهما - (أَنَّ أَعْرَابِيًّا) قال الحافظ: ما عرفت اسمه، (سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْهِجْرَةِ)؛ أي: تَرْك الوطن، والانتقال من بلده إلى المدينة، تأييدًا، وتقويةً للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين، وإعانةً لهم على قتال الكفرة، وكانت فرضًا في أول الأمر، ثم صارت مندوبة، فلعلّ السؤال كان في آخر الأمر، أو لعله - صلى الله عليه وسلم - خاف عليه؛ لِمَا كان عليه الأعراب من الضعف، حتى إن أحدهم ليقول إذا حصل له مرض في المدينة: أقلني بيعتك، ونحو ذلك، ولذلك قال: "إن شأن الهجرة لشديد".

وقال النوويّ - رحمه الله -: قال العلماء: والمراد بالهجرة التي سأل عنها هذا الأعرابيّ ملازمة المدينة، مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وتَرْك أهله ووطنه، فخاف عليه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن لا يَقْوَى لها، ولا يقوم بحقوقها، وأن يَنْكُص على عقبيه، فقال له: إن شأن الهجرة التي سألت عنها لشديد، ولكن اعمل بالخير في وطنك، وحيثما كنت، فهو ينفعك، ولا يُنقصك الله منه شيئًا، والله أعلم. انتهى (١).

وقال في "الفتح": والهجرة المسئول عنها مفارقة دار الكفر إذ ذاك، والتزام أحكام المهاجرين مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وكأن ذلك وقع بعد فتح مكة؛ لأنها كانت إذ ذاك فرض عَيْن، ثم نُسخ ذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا هجرة بعد الفتح". انتهى.

(فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("وَيْحَكَ) قال في "النهاية": وَيْحَ كلمة ترحّم، وتوجّعٍ، تقال لمن وقع في هلكة، لا يستحقّها، وقد يقال بمعنى المدح والتعجّب، وهي منصوبة على المصدر، وقد تُرفع، وتضاف، ولا تُضاف، يقال: ويحَ زيد، وويحًا له، وويحٌ له. انتهى (٢).

(إِنَّ شَأْنَ الْهِجْرَةِ) "الشأن" بفتح الشين المعجمة، وسكون الهمزة: الخطب، والأمر (لَشَدِيدٌ) قال القرطبيّ - رحمه الله -: سؤال الأعرابيّ عن الهجرة إنما هو عن وجوبها عليه، فأجابه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "إن شأنها لشديد"؛ أي: إن أمرها صعبٌ، وشروطها عظيمة، ثم أخبره بعد ذلك بما يدلّ على أنها ليست بواجبة عليه. ويَحْتَمِل أن يكون ذلك خاصًّا بذلك الأعرابيّ، لِمَا عَلِم من


(١) "شرح النوويّ" ١٣/ ٩.
(٢) "النهاية" ٥/ ٢٣٥.