للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

علينا (يَقُولُ) - صلى الله عليه وسلم - (لَنَا) عند المبايعة ("فِيمَا اسْتَطَعْتَ") بضمّ التاء؛ أي: قل: أسمع، وأُطيع في الأمر الذي أستطيع أن أقوم به، وقيل: بفتح التاء للمخاطب، وقال النوويّ: قوله: "فيما استطعتُ" هكذا هو في جميع النسخ: "فيما استطعت"؛ أي: قل: فيما استطعتُ، وهذا من كمال شفقته - صلى الله عليه وسلم -؛ ورأفته بأمته، يلقّنهم أن يقول أحدهم: فيما استطعت؛ لئلا يدخل في عموم بيعته ما لا يطيقه، وفيه أنه إذا رأى الإنسانُ من يلتزم ما لا يطيقه ينبغي أن يقول له: لا تلتزم ما لا تطيق، فيترك بعضه، وهو من نحو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "عليكم من الأعمال ما تطيقون". انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: هكذا في جميع النسخ. . . إلخ، هذا فيما اطّلع عليه هو، وإلا فقد وقع في بعض نسخ مسلم بلفظ: "فيما استطعتم"، كما أشار إليه في هامش "الهنديّة"، ولفظ البخاريّ: "كنّا إذا بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة يقول لنا: فيما استطعتم".

قال القرطبيّ - رحمه الله - قوله: "فيما استطعتم" رفعٌ لِمَا يُخاف من التحرّج؛ بسبب مخالفة تقعُ غلطًا، أو سهوًا، أو غلبةً، فإنَّ ذلك غير مُؤاخذٍ به، ولا يُفهَم من هذا تسويغُ المخالفة فيما يشقّ ويثقل؛ مما يأمر به الإمام، فإنه قد نصّ في الأحاديث المتقدّمة على خلافه، حيث قال: "على المسلم السمع والطاعة، فيما أحبّ، وكَرِهَ، في المنشط والمكره، والعسر واليسر"، وقال: "فاسمع، وأطع، وإن ضُرب ظهرُك، وأُخِذ مالك"، ولا مشقة أكثر من هذه. انتهى (٢)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - هذا متّفقٌ عليه.

(المسألة الثانية): في تخريجه:

أخرجه (المصنّف) هنا [٢٢/ ٤٨٢٨] (١٨٦٧)، و (البخاريّ) في "الأحكام" (٧٢٠٢)، و (أبو داود) في "الخراج" (٢٩٤٠)، و (الترمذيّ) في


(١) "شرح النوويّ" ١٣/ ١١.
(٢) "المفهم" ٤/ ٤٦.