للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

١ - (منها): بيان فضل الجهاد في سبيل الله - سبحانه وتعالى -، قال النوويّ - رحمه الله -: في هذا الحديث عظيم فضل الجهاد؛ لأن الصلاة، والصيام، والقيام بآيات الله أفضل الأعمال، وقد جُعل المجاهد مثل من لا يفتر عن ذلك في لحظة من اللحظات، ومعلوم أن هذا لا يتأتى لأحد، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تستطيعونه".

وقال القاضي عياض - رحمه الله -: اشتَمَل حديث الباب على تعظيم أمر الجهاد؛ لأن الصيام وغيره مما ذُكر من أفاضل الأعمال قد عدلها كلّها الجهادُ حتى صارت جميع حالات المجاهد، وتصرفاته المباحة معادلة لأجر المواظب على الصلاة وغيرها، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تستطيعون ذلك". انتهى (١).

وقال أبو عمر بن عبد البرّ - رحمه الله -: هذا الحديث من أجلّ حديثٍ رُوي في فضل الجهاد؛ لأنه مثَّله بالصلاة، والصيام، وهما أفضل الأعمال، وجَعَل المجاهد بمنزلة من لا يفتر عن ذلك ساعةً، فأيّ شيء أفضل من شيء، يكون صاحبه راكبًا، وماشيًا، وراقدًا، ومتلذّذًا بكثير ما أبيح له، من حديث رفيقه، وأكله، وشربه، وهو في ذلك كله كالمصلي التالي للقرآن في صلاته الصائم المجتهد؟ ولذلك قلنا إن الفضائل لا تُدرك بقياس، وإنما هو تفضّل من الله - عز وجل -، قال الله - عز وجل -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١)} إلى قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف: ١٠ - ١٣]. انتهى (٢).

٢ - (ومنها): أن فيه استعمالَ القياس، والتشبيه، والتمثيل في الأحكام؛ لأنه شَبَّه المجاهد بالصائم القائم.

٣ - (ومنها): أن الفضائل لا تُدرك بالقياس، وإنما هي إحسان من الله تعالى لمن شاء.

٤ - (ومنها): أنه استُدِلّ به على أن الجهاد أفضل الأعمال مطلقًا؛ لِمَا تقدم تقريره، وقال ابن دقيق العيد - رحمه الله -: القياس يقتضي أن يكون الجهاد أفضل الأعمال التي هي وسائل؛ لأن الجهاد وسيلة إلى إعلان الدين، ونشره، وإخماد الكفر، ودَحْضه، ففضيلته بحسب فضيلة ذلك، والله أعلم.


(١) "إكمال المعلم" ٦/ ٢٩٧.
(٢) "الاستذكار" ٥/ ٤.