للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فلا يجوز التأخير، ويدل على ذلك أن الاستثناء، والتخصيص، وغيرهما الصادرة عنه - صلى الله عليه وسلم - كلٌّ من عند الله، لا من عند النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالاجتهاد، وقد تقدَّم الاختلاف في هذا الأصل. انتهى (١).

٧ - (ومنها): ما قاله الحافظ أبو عمر بن عبد البرّ - رحمه الله -: فيه أن الخطايا تكفَّر بالأعمال الصالحة مع الاحتساب، والنيّة في العمل، وأن أعمال البرّ المقبولة لا تُكفِّرُ من الذنوب إلا ما بين العبد، وبين ربّه، فأما التبعات فلا بدّ فيها من القصاص. قال: وهذا في دَين تَرك له وفاءً، ولم يوصِ به، أو قَدَر على الأداء، فلم يؤدّ، أو أدّاه في غير حقّ، أو أسرف، ومات، ولم يوفّه، أما من ادّانَ في حقّ واجب؛ لِفَاقة، وعُسر، ومات، ولم يترك وفاءً، فلا يُحبس عن الجنّة؛ لأن على السلطان فرضًا أن يؤدّي عنه دَينه من الصدقات، أو سهم الغارمين، أو الفيء. وقد قيل: إن تشديده - صلى الله عليه وسلم - في الدَّين كان قبل الفتوح. انتهى.

وقال الحافظ - رحمه الله -: يستفاد منه أن الشهادة لا تكفّر التبعات، وهي لا تمنع درجة الشهادة، وليس للشهادة معنى إلا أن تُثبت لمن حصلت له ثوابًا مخصوصًا، وتُكرِمه كرامة زائدةً، وقد بيّن في الحديث أنه يكفّر عنه ما عدا التبعات، فإن كان له عملٌ صالحٌ كفّرت الشهادة سيّئاته، غير التبعات، ونَفَعه عمله الصالح في مُوازنة ما عليه من التبعات، وتبقى له درجة الشهادة خالصةً، فإن لم يكن له عملٌ صالحٌ فهو تحت المشيئة. انتهى.

وقال ابن الزملكانيّ - رحمه الله -: فيه تنبيهٌ على أن حقوق الآدميين لا تكفَّر؛ لكونها مبنيّة على المشاحّة والتضييق، ويمكن أن يقال: هذا محمول على الدَّين الذي هو خطيئة، وهو ما استدانه صاحبه على وجه لا يجوز له فِعله، بأن أخَذَه بحيلة، أو غَصَبَه، فثبت في ذمّته البدلُ، أو ادّان غير عازم على الوفاء؛ لأنه استثنى ذلك من الخطايا، والأصل في الاستثناء أن يكون من الجنس، ويكون الدَّين المأذون فيه مسكوتًا عنه في هذا الاستثناء، فلا يلزم المؤاخذة به؛ لِمَا يلطف الله بعبده من استيهابه له، وتعويض صاحبه من فضل الله.


(١) "المفهم" ٣/ ٧١٥.