للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هو الجهادُ الأكبر؛ الذي من وصل إليه فقد ظَفِر بالكبريت الأحمر، غير أن العزلةَ إنما تكونُ مطلوبة إذا كَفَى المسلمون عدوَّهم، وقام بالجهاد بعضهم، فأما مع تعيّن الجهاد؛ فليس غيرُه بمراد، ولذلك بدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث ببيان أفضلية الجهاد على العزلة؛ لِمَا قدَّمناه في الباب الذي قبل هذا. انتهى (١).

(فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - جوابًا عن سؤاله ("رَجُلٌ)، وفي رواية معمر التالية: "مؤمن"، وهو خبر لمبتدإ محذوف دلّ عليه السؤال؛ أي: أفضل الناس رجلٌ. . . إلخ، والمراد بالمؤمن: من قام بما تعيّن عليه القيام به، ثم حَصّل هذه الفضيلة، وليس المراد: من اقتصر على الجهاد، وأهمل الواجبات العينيّة، وحينئذ فيظهر فضل المجاهد؛ لِمَا فيه مِنْ بَذْل نفسه، وماله لله تعالى، ولِمَا فيه من النفع المتعدّي، وإنما كان المؤمن المعتزل يتلوه في الفضيلة؛ لأن من يخالط الناس لا يَسلَم من ارتكاب الآثام، فقد لا يفي هذا بهذا، وهو مقيّدٌ بوقوع الفتن (٢).

وقال القاضي عياض - رحمه الله -: هذا عامّ مخصوص، وتقديره: هذا من أفضل الناس، وإلا فالعلماء أفضل، وكذا الصدّيقون، كما جاءت به الأحاديث. انتهى.

(يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ")؛ أي: يبذل ماله ونفسه لإعلاء كلمة الله تعالى. (قَالَ) الرجل السائل (ثُمَّ مَنْ؟)؛ أي: ثم من هو أفضل الناس بعد هذا؟ (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("مُؤْمِنٌ) وفي رواية معمر الآتية: "ثم رجلٌ معتزلٌ(فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ) - "الشِّعْبُ" - بكسر الشين المعجمة، وسكون العين المهملة -: هو ما انفرج بين جبلين، وليس المراد نفس الشِّعب خصوصًا، بل المراد الانفراد والاعتزال، وذَكَر الشِّعب مثالًا؛ لأنه خالٍ عن الناس غالبًا، وهذا الحديث نحو الحديث الآخر حين سئل - صلى الله عليه وسلم - عن النجاة، فقال: "امْلِك عليك لسانك، وَلْيَسَعُك بيتك، وابْكِ على خطيئتك" (٣)، قاله النوويّ (٤).


(١) "المفهم" ٣/ ٧٢٣ - ٧٢٤.
(٢) "الفتح" ٧/ ٤٣، كتاب "الجهاد" رقم (٢٧٨٦).
(٣) حديث صحيح أخرجه الترمذيّ، من حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -.
(٤) "شرح النوويّ" ١٣/ ٣٤.