للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بالسلطان قال: فإن نأى السلطان عني؟ قال: "قاتل دون مالك، حتى تكون من شهداء الآخرة، أو تمنع مالك" (١).

فقد دلّ هذان الحديثان على أن القتال يكون بعد الدفع بالأسهل فالأسهل، والله تعالى أعلم.

(قَالَ) الرجل (أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟) أي: فماذا حكم الله تعالى في أمري؟ (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("فَأَنْتَ شَهِيدٌ) قال القاضي عياضٌ - رَحِمَهُ اللهُ -: أصل الشهادة التبيين، ومنه قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} الآية [آل عمران: ١٨]؛ أي: بيّن، وسُمّي الشاهد؛ لأن بشهادته تبيينَ الحكم. انتهى (٢).

وقال ابن الأثير - رَحِمَهُ اللهُ -: "الشهيد" في الأصل: من قُتل مجاهدًا في سبيل الله، ويُجمع على شُهداء، وسُمي شهيدًا؛ لأن الله تعالى وملائكته شهودٌ له بالجنّة، وقيل: لأن ملائكة الرحمة تشهد غسله، أو تشهد نقل روحه إلى الجنّة، أو لأن الله تعالى شهد له بالجنّة، وقيل: لقيامه بشهادة الحقّ في أمر الله تعالى حتى قُتل، وقيل: لأنه يشهد ما أعدّ الله له من الكرامة بالقتل، وقيل غير ذلك، فهو فعيلٌ بمعنى فاعل، أو مفعول على حسب اختلاف التأويل. انتهى (٣).

وقال النضر بن شُميل: سُمِّي الشهيد شهيدًا؛ لأنه حيّ؛ لأن أرواحهم شَهِدَت دار السلام، وأرواح غيرهم لا تشهدها إلَّا يوم القيامة، وهو مأخوذ من قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩)} [آل عمران: ١٦٩].

وقال ابن الأنباريّ؛ لأن الله تعالى، وملائكته يشهدون له بالجنة، فمعنى شَهِيد مشهود له.

وقيل: سُمّي شهيدًا؛ لأنه شَهِدَ عند خروج روحه ما له من عند الله تعالى


(١) حديث في سنده انقطاع، لكنه صحيح بشواهده، كما حقّقته في "شرح النسائيّ" ٣٢/ ٦١.
(٢) "إكمال المعلم" ١/ ٥٥٦.
(٣) "النهاية" ٣/ ٥١٣، و"المصباح المنير" ١/ ٣٢٤.