للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كان كذلك أشبه المنافقين، وإن لم يكن كافرًا، والله تعالى أعلم. انتهى (١).

وقال النوويّ - رضي الله عنه -: هذا الذي قاله ابن المبارك مُحْتَمِل، وقد قال غيره: إنه عامّ، والمراد: أن من فعل هذا فقد أشبه المنافقين المتخلفين عن الجهاد في هذا الوصف، فإنّ ترك الجهاد أحدُ شُعب النفاق، وفي هذا الحديث أن من نوى فعل عبادة، فمات قبل فِعلها لا يتوجه عليه من الذمّ ما يتوجه على من مات، ولم ينوها، وقد اختَلَف أصحابنا فيمن تمكّن من الصلاة في أول وقتها، فأخّرها بنيّة أن يفعلها في أثنائه فمات قبل فعلها، أو أخّر الحج بعد التمكن إلى سنة أخرى، فمات قبل فعله، هل يأثم أم لا؟ والأصح عندهم أنه يأثم في الحج دون الصلاة؛ لأن مدة الصلاة قريبة فلا تُنسب إلى تفريط بالتأخير، بخلاف الحجّ، وقيل: يأثم فيهما، وقيل: لا يأثم فيهما، وقيل: يأثم في الحج الشيخ دون الشاب، والله أعلم. انتهى كلام النوويّ - رحمه الله - (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: عدم الإثم فيهما هو الظاهر؛ لأنه موسَّع عليه في ذلك شرعًا؛ إذ الراجح أن الحجّ على التراخي، وكذلك وقت الصلاة موسّع، والله تعالى أعلم.

وقال الصنعانيّ - رحمه الله -: فيه دليل على وجوب العزم على الجهاد، وألحقوا به فعلَ كلِّ واجب، قالوا: فإن كان من الواجبات المطلقة، كالجهاد وجب العزم على فعله عند إمكانه، وإن كان من الواجبات المؤقتة وجب العزم على فِعله عند دخول وقته، وإلى هذا ذهب جماعة من أئمة الأصول، وفي المسألة خلاف معروف.

قال: ولا يخفى أن المراد من الحديث هنا: أن من لم يغز بالفعل، ولم يحدّث نفسه بالغزو مات على خَصْلة من خصال النفاق، فقوله: "ولم يحدّث نفسه" لا يدل على العزم الذي معناه: عَقْد النية على الفعل، بل معناه هنا: لم يخطُر بباله أن يغزو، ولا حدّث به نفسه، ولو ساعة من عمره، ولو حدّثها به، أو خطر الخروج للغزو بباله حينًا من الأحيان خرج من الاتّصاف بخصلة من خصال النفاق، وهو نظير قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ثم صلّى ركعتين لا يحدّث فيهما نفسه"؛


(١) "المفهم" ٣/ ٧٥٠.
(٢) "شرح النوويّ" ١٣/ ٥٦.