الطاعون من الوباء: أصل الطاعون الذي لم يتعرض له الأطباء، ولا أكثر من تكلم في تعريف الطاعون، وهو كونه من طَعْن الجنّ، ولا يخالف ذلك ما قال الأطباء من كون الطاعون ينشأ عن هَيَجان الدم، أو انصبابه؛ لأنه يجوز أن يكون ذلك يحدث عن الطعنة الباطنة، فتحدث منها المادّة السُّمّيّة، ويهيج الدم بسببها، أو ينصبّ، وإنما لم يتعرض الأطباء لكونه من طعن الجنّ؛ لأنه أمْر لا يُدرك بالعقل، وإنما يُعرف من الشارع، فتكلموا في ذلك على ما اقتضته قواعدهم.
وقال الكلاباذيّ في "معاني الأخبار": يَحْتَمِل أن يكون الطاعون على قسمين: قسم يحصل من غلبة بعض الأخلاط من دم، أو صفراء محترقة، أو غير ذلك من غير سبب يكون من الجنّ، وقسم يكون من وخز الجنّ كما تقع الجراحات من القروح التي تخرج في البدن من غلبة بعض الأخلاط، وإن لم يكن هناك طعن، وتقع الجراحات أيضًا من طعن الإنس. انتهى.
ومما يؤيد أن الطاعون إنما يكون من طعن الجنّ: وقوعه غالبًا في أعدل الفصول، وفي أصح البلاد هواءً، وأطيبها ماءً، ولأنه لو كان بسبب فساد الهواء لدام في الأرض؛ لأن الهواء يفسد تارةً، ويصح أخرى، وهذا يذهب أحيانًا، ويجيء أحيانًا على غير قياس، ولا تجربة، فربما جاء سَنة على سَنة، وربما أبطأ سنين، وبأنه لو كان كذلك لعمّ الناس، والحيوان، والموجود بالمشاهدة أنه يصيب الكثير، ولا يصيب من هم بجانبهم، مما هو في مثل مزاجهم، ولو كان كذلك لعمّ جميع البدن، وهذا يختص بموضع من الجسد، ولا يتجاوزه، ولأن فساد الهواء يقتضي تغيّر الأخلاط، وكثرة الأسقام، وهذا في الغالب يقتل بلا مرض، فدلّ على أنه مِن طَعْن الجنّ، كما ثبت في الأحاديث الواردة في ذلك.
منها: حديث أبي موسى رفعه: "فناء أمتي بالطعن والطاعون"، قيل: