وكذا أخرجه البخاريّ، وكأنه كتبه من حفظه، أو حدث به المقرئ من حفظه، فجاء به على اللفظ المشهور، وإلا فقد رواه الجماعة عن المقرئ بلفظ:"مَن قُتِلَ دون ماله مظلومًا، فله الجَنَّة"، قال: ومن أتى به على غير اللفظ الذي اعتيد فهو أولى بالحفظ، ولا سيما وفيهم مثل دُحَيم، وكذلك ما زادوه من قوله:"مظلومًا"، فإنه لا بُدّ من هذا القيد، وساقه من طريق دُحَيم، وابن أبي عمر، وعبد العزيز بن سلام.
قال الحافظ: وكذلك أخرجه النسائيّ، عن عبيد الله بن فَضَالة، عن المقريّ، وكذلك رواه حَيْوَة بن شُرَيح، عن أبي الأسود بهذا اللفظ، أخرجه الطبريّ.
نعم للحديث طريق أُخرى عن عكرمة، أخرجها النسائيّ باللفظ المشهور، وأخرجه مسلم كذلك، من طريق ثابت بن عياض، عن عبد الله بن عمرو، وفي روايته قِصّةٌ، قال: لَمّا كان بين عبد الله بن عمرو وبين عنبسة بن أبي سفيان ما كان … إلخ.
قال: وأشار بقوله: "ما كان" إلى ما بَيَّنه حيوة في روايته المشار إليها، فإن أولها أن عاملًا لمعاوية أجرى عينًا من ماء؛ ليسقي بها أرضًا، فدنا من حائط لآل عمرو بن العاص، فأراد أن يخرقه؛ ليجري العين منه إلى الأرض، فأقبل عبد الله بن عمرو، ومواليه بالسلاح، وقالوا: والله لا تخرقون حائطنا، حتى لا يبقى منّا أحد … فذكر الحديث، والعامل المذكور هو عنبسة بن أبي سفيان كما ظهر من رواية مسلم، وكان عاملًا لَأخيه على مكة والطائف، والأرض المذكورة كانت بالطائف.
قال: وامتناع عبد الله بن عمرو من ذلك؛ لِمَا يدخل عليه من الضرر، فلا حجة فيه لمن عارض به حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فيمن أراد أن يَضَعَ جِذْعَه على جدار جاره، والله أعلم.
قال الجامع عفا الله عنه: حاصل ما أشار إليه أن ظاهر هذا الحديث يعارض ما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا يَمْنَعْ جارٌ جارَه أن يَغْرِز خشبة في جداره"، ثم يقول أبو هريرة: ما لي أراكم عنها مُعْرِضين؟ والله لأَرْمِيَنَّ بها بين أكتافكم. لفظ البخاريّ.
فهذا يوجب أن يأذن الجار لجاره في وضع الخشبة، وحديث ابن عمرو - رضي الله عنهما - يبيح المنع، بل القتال عليه.