للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويرضى به، ويُعِين عليه، ما لا يُعِين على العُنْف، فإذا ركبتم هذه الدواب الْعُجْم فأنزلوها منازلها، فإن كانت الأرض جدبة فانجوا عليها بنِقْيها، وعليكم بِسَيْر الليل، فإن الأرض تُطوى بالليل، ما لا تطوى بالنهار، وإياكم والتعريس على الطريق، فإنها طرق الدواب، ومأوى الحيات". انتهى.

قال أبو عمر بن عبد البرّ - رحمه الله -: وهذا عموم يدخل فيه الرفق بالدواب في الأسفار وغيرها.

وخص المسافر في هذا الحديث بالذِّكر، فأمر أن يمشي مهلًا رويدًا ويكثر النزول إذا كانت الأرض مخصبة؛ لترعى دابته الكلأ، وتنال من الحشيش والماء، وهذا إنما هو في الأسفار البعيدة، ما لم تضم الضرورة إلا أن يجدّ في السفر، فإذا كانت جِدّبّة، وكان عام السَّنَة، فالسُّنّة للمسافر أن يُسرع في السفر، ويسعى في الخروج عن بلاد الجدب، وبدابته رَمَقٌ يقيه من النقي، والنقي: الشحم، والقوّة حتى يحصل في بلد الخصب. انتهى (١).

وقال صاحب "التكملة": إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بُعث رحمة للعالمين، فعلّمنا آداب ركوب الدوابّ، ومراعاة مصالحها، وأن لا تُحمَّل من العَناء فوق طاقتها، ولمّا كان هذا من تعليم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في الدوابّ والحيوانات، فما بالك بالسُّوّاق الذين يسوقون السيّارات لمن استأجرهم على ذلك، فمراعاة مصالحهم في الطعام والشراب والراحة أولى بالاعتناء، وقلّ من الناس، ولا سيّما أصحاب الثروة من يعتني بها. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله بالنسبة لسوّاق السيّارات محل نظر، ولعله شاهد ذلك في بعض البلدان، وإلا فالذي نشاهده هنا في المملكة العربيّة السعوديّة عكس هذا، بل الشركات تتنافس في ترفيه الركّاب، والعناية براحتهم، حتى تجلب الناس إليها، ولذا يجد الركاب من الراحة والترفّه ما لا يجدونه في مقرّ إقامتهم، والله تعالى أعلم.

٢ - (ومنها): أن من آداب السير والنزول اجتنابَ الطريق، كما أرشد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إليه هنا؛ لأن الحشرات، ودواب الأرض من ذوات السموم، والسباع


(١) "الاستذكار" ٨/ ٥٣٤ - ٥٣٥.
(٢) "تكملة فتح الملهم" ٣/ ٤٧٣.