المصيد، فهو الحيوان الذي يُقدر على ذكاته تارةً، ولا يُقدر عليها أخرى (١)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في بيان بعض حكمة مشروعيّة الصيد والذبائح:
(اعلم): أن الله - سبحانه وتعالى - أكرم الإنسان، وفضّله على كثير ممن خلق تفضيلًا، وسخّر له الكون، فكله قائم بخدمته، وإنجاز ما يهواه، ويُعينه على أداء ما تُحمّله الأمانة، كما قال - عز وجل -: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} الآية [البقرة: ٢٩]، وهذا النصّ ظاهر في أن ما على الأرض جميعًا مخلوق؛ لينتفع به الإنسان بصورة من صور الانتفاع، غير أن الانتفاع ينبغي أن يكون على وجه جلب المنافع، وإقامة المصالح، لا على وجه يؤدّي إلى المفاسد فرديّة كانت أو اجتماعيّة، خُلُقيّة كانت أو نفسيّة، دينيّة كانت أو دنيويّة، ومن أجل ذلك شرع الله - سبحانه وتعالى - الحلال والحرام، فأباح للإنسان ما ينفعه، وحرّم عليه ما يضرّه، على وجه اقتضته حكمته البالغة التي ربما لا تصل إليها هذه العقول القاصرة، فليس للإنسان إلا أن يستسلم لأوامر ربه - عز وجل -، وينتهي عن نواهيه، سواء أدرك حكمتها أم لم يدركها؛ لأنه - سبحانه وتعالى - أعلم بمصالح عباده، وهم لا يعلمون، كما قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٢١٦)} [البقرة: ٢١٦].
وإن الأكل والشرب من أعظم حاجات الإنسان التي لا يمكن أن يعيش بدونها، وإن لحم الحيوان الطيّبة من أعظم المآكل التي عرفها الإنسان، فإنها من ألذّ المأكولات طعمًا، وأنفعها للصحة البشريّة، وأكثرها تقويةً للجسم، وأوفرها وجودًا طبيعيًّا، لا يحتاج إلى غرس، أو زرع، وقد جُبل الإنسان على استحسان طعمه، والانتفاع بملاذّه.
وقد ذكر صاحب "التكملة" عن الشيخ محمد قاسم النانوتويّ - رحمه الله - في رسالة له أثناء ردّه على بعض الهنود الذين يُشَنِّعون على أكل اللحم، فقال: إن الله - سبحانه وتعالى - خلق أعضاء كلّ حيوان وصوّرها بما يلائم فطرته في معيشته،