للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يُحافظون عليه، ويتركون غيره بالغالب إليه، من إلزام المؤنّث العلامةَ المشعِرة بالتأنيث، وإن كان أيضًا غير ذلك من كلامهم واسعًا كثيرًا؛ يعني: المؤنّث الذي لا علامة فيه، كالعين، والقِدْر، والعَنَاق، والمذكّر الذي فيه علامة التأنيث، كالحمامة، والحيّة. قال أبو حنيفة: قال الأصمعيّ: إذا اصفَرَّتِ الذكور، واسودّت الإناث، ذهبت عنه الأسماء، إلا الجراد؛ يعني: أنه اسمٌ، لا يُفارقها. وذهب أبو عبيد في الجراد إلى أنه آخر أسمائه، كما تقدّم. وقال أعرابيّ: تركت جرادًا، كأنه نعامة جاثمة. انتهى (١).

وقال في "الفتح": "الجراد" - بفتح الجيم، وتخفيف الراء -: معروف، والواحدة جرادة، والذكر والأنثى سواء، كالحمامة، ويقال: إنه مشتقّ من الجرد؛ لأنه لا يَنْزِل على شيء، إلا جَرَده، وخِلْقَةُ الجراد عجيبة، فيها عشرة من الحيوان، ذكر بعضها ابن الشَّهْرَزُوريّ، في قوله [من الطويل]:

لَهَا فَخِذَا بَكْرٍ وَسَاقَا نَعَامَةٍ … وَقَادِمَتَا نَسْرٍ وَجُؤْجُؤُ ضَيْغَمِ

حَبَتْهَا أَفَاعِي الرَّمْلِ بَطْنًا وَأَنْعَمَتْ … عَلَيْهَا جِيَادُ الْخَيْلِ بِالرَّأْسِ وَالْفَمِ

قيل: وفاتَهُ عين الفيل، وعُنُق الثور، وقَرن الأَيِّل، وذَنَب الحية، وهو صنفان: طَيّارٌ، ووَثّابٌ، ويبيض في الصخر، فيتركه حتى يَيْبَسَ، وينتشر، فلا يمرّ بزرع، إلا اجتاحه. واختُلف في أصله، فقيل: إنه نَثْرَةُ حوت، فلذلك كان أكْله بغير ذكاة، وهذا وَرَد في حديث ضعيف، أخرجه ابن ماجه، عن أنس - رضي الله عنه - رفعه: "إن الجراد نثرةُ حوت من البحر"، ومن حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، في حجّ، أو عمرة، فاستقبلنا رِجْلٌ، من جراد، فجعلنا نضرب بنعالنا، وأسواطنا، فقال: كلوه، فإنه من صيد البحر"، أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وسنده ضعيف، ولو صحّ لكان فيه حجة، لمن قال: لا جزاء فيه، إذا قتله المُحْرِم، وجمهور العلماء على خلافه. قال ابن المنذر - رحمه الله -: لم يقل لا جزاء فيه غيرُ أبي سعيد الخدريّ، وعروة بن الزبير، واختُلف عن كعب الأحبار، وإذا ثبت فيه الجزاء، دلّ على أنه بَرّيّ.

وقد أجمع العلماء على جواز أكله، بغير تذكية، إلا أن المشهور عند


(١) ٣/ ١١٧ - ١١٨.