اقترف إثمًا، فكان قتلَ نفس دون مبرّر، ولكن إبراهيم - عليه السلام - حينما أُمر به استَعَدّ لامتثاله، وخضع له خضوعًا كاملًا، وكذلك إسماعيل - عليه السلام - لم يعترض على الأمر، ولم يسأل والده ما هو الذنب الذي أعاقَب عليه هذه العقوبة القاسية، وإنما أجاب والده قائلًا:{يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}[الصافات: ١٠٢].
وإن هذه السجيّة سجيّة الخضوع الكامل، والانقياد التامّ التي تقدّم بها الوالد والولد - عليهما السلام - سمّاها الله تعالى إسلامًا حينما قال تعالى في كتابه المجيد: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣)} [الصافات: ١٠٣].
وإن العقول اليوم قد غَرِقت في الأفكار الماديّة، وأصبحت أسيرةً للأهواء، فلا تبصر وراء المادّة شيئًا، ولا تعتبر النفع نفعًا حتى يتجلّى في صورة الفلوس والنقود، والمأكل، والمشرب، والملابس، والملاذّ، والشهوات، ولذلك لا ترى في العبادات المحضة شيئًا من النفع، ولا تشعر أن أعظم منفعة على وجه الأرض أن تتقوّى علاقة العبد بربّه، وتستحكم صلته به، وأن يُنيب المرء، ويُخبت إلى الله، ويكسر الشهوات؛ ابتغاء مرضاته، ويتذوّق لذّة مناجاته، والتقرّب إليه.
وبهذا تتكوّن فيه الْمُثُل العليا من العبديّة، والإنسانيّة، وتنشأ في نفسه عواطف الخشية والتقوى التي تمنعه من الدناءة، والفجور، وغمط حقّ الآخرين، والتي تتزكّى بها أخلاقه، وتتنظّف بها حياته، ويهتدي بها مسيره، وإن هذه المنفعة تفوق هذه المنافع الماديّة الظاهرة في صورة الأموال، والْمُتَع، والشهوات، وإن الأضحيّة لمن أقوى وسائل الحصول على هذه المنفعة الباطنة، والغذاء الروحيّ الذي إذا فقده الشخص فقد الخير كلّه. انتهى كلام صاحب "التكملة"(١)، وهو بحث مفيدٌ، والله تعالى أعلم بالصواب.