للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

له عذره، ففي الرواية التالية: فقال: "يا رسول الله إن هذا يومٌ اللحم فيه مكروه، وإني عجّلت نسيكتي لأُطعم أهلي، وجيراني، وأهل داري". ("تِلْكَ)؛ أي: الشاة التي ذبحتها قبل الصلاة (شَاةُ لَحْمٍ" أي: شاة يُراد لحمها للأكل، لا شاة نُسُك يُتقرّب بها إلى الله تعالى، وقال النوويّ - رحمه الله -: معناه؛ أي: ليست أضحيّةً، ولا ثواب فيها، بل هي لحم لك تنتفع به، كما في الرواية الأخرى: "إنما هو لحم قدّمته لأهلك".

[تنبيه]: قد استُشكلت الإضافة في قوله: "شاة لحم"، وذلك أن الإضافة قسمان: معنوية، ولفظية، فالمعنوية إما مقدّرة بـ "من"، كخاتم حديد، أو باللام، كغلام زيد، أو بـ "في"، كضُرب اليوم، معناه ضُرب في اليوم، وأما اللفظية فهي صفةٌ مضافةٌ إلى معمولها، كضارب زيد، وحسن الوجه، ولا يصح شيء من الأقسام الخمسة في "شاة لحم"، قال الفاكهيّ: والذي يظهر لي أن أبا بردة لَمّا اعتَقَد أن شاته شاة أضحية، أوقع في الجواب قوله: "شاة لحم" موقع قوله: شاةٌ غيرُ أضحية. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أنه لا وجه للاستشكال المذكور، فإن الإضافة هنا بمعنى اللام، فيكون المعنى أنها شاة مذبوحة للاستفادة من لحمها، لا لإقامة السنّة بالتضحية بها، وذلك أن القاعدة النحويّة، أن كلّ ما لا يصلح أن تكون إضافته بمعنى "من"، أو "في"، فإنها تكون بمعنى اللام، قال ابن مالك - رحمه الله - في "خلاصته":

وَالثَّانِيَ اجْرُرْ وَانْوِ "مِنْ" أَوْ "فِي" إِذَا … لَمْ يَصْلُحِ إلَّا ذَاكَ وَاللَّامَ خُذَا

لِمَا سِوَى ذَيْنِكَ وَاخْصُصَ اوَّلَا … أَوْ أَعْطِهِ التَّعْرِيفَ بِالَّذِي تَلَا (٢)

والله تعالى أعلم.

(فَقَالَ) أبو بُردة (يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ عِنْدِي جَذَعَةً) وفي رواية البخاريّ: "إن عندي داجنًا جَذَعةً من المعز"، والداجن التي تألف البيوت، وتستأنس، وليس


(١) "الفتح" ١٢/ ٥٥٨.
(٢) راجع: "شرح الألفية" لابن عَقِيل، مع حاشية الخضريّ ٢/ ٣/ ٤.