للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

برك أسود، والمعنى أنه أسود القوائم، والمرابض، والمحاجر. انتهى (١).

وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "أمر بكبش أقرن، يطأ في سواد، وينظر في سواد، ويبرك في سواد"؛ أي: أمر بأن يُنتخب له كبش على هذه الشِّيَة، ففيه ما يدلّ على أن المضحي ينبغي له أن يختار الأفضل نوعًا، وأكمل خَلْقًا، والأحسن شِيَة، فالأقرن: الطويل القرن، وهو أفضل، ولا خلاف في جواز الأجم، واختُلِف في المكسورة القرن، فالجمهور على الجواز، وقد روى أبو داود عن عليّ - رضي الله عنه -: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أن يُضحَّى بعضباء الأذن والقرن، وكرهه مالك إن كان يَدْمَى؛ لأنَّه مرض، وأجازه إن لم يَدْم، ومعنى: "يطأ في سواد"؛ أي: أسود القوائم، "ويبرك في سواد"؛ أي: في بطنه سواد، "وينظر في سواد"؛ أي: ما حول عينيه أسود. انتهى (٢).

(فَأُتِيَ بِهِ) بالبناء للمفعول؛ أي: أُتي بذلك الكبش الموصوف بما ذُكر، (لِيُضَحِّيَ بِهِ)؛ أي: ليذبحه أضحيةً، (فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - (لَهَا)؛ أي: لعائشة - رضي الله عنها - ("يَا عَائِشَةُ هَلُمِّي)؛ أي: أحضري، وهي بفتح الهاء، وضمّ اللام، فعلُ أَمْر اختُلف فيها، قال الفيّوميّ رحمه الله: هَلُمَّ كلمة بمعنى الدعاء إلى الشيء، كما يقال: تَعَالَ، قال الخليل: أصله لُمَّ، من الضمّ، والجمع، ومنه: لمّ الله شعثَهُ، وكأن المنادي أراد لُمَّ نفسَك إلينا، و"هَا" للتّنبيه، وحُذفت الألف؛ تخفيفًا؛ لكثرة الاستعمال، وجُعِلا اسمًا واحدًا، وقيل: أصلها: هَلْ أُمَّ؛ أي: قُصِد، فنقلت حركة الهمزة إلى اللام، وسقطت، ثم جُعِلا كلمةً واحدةً للدعاء، وأهل الحجاز يُنادُون بها بلفظ واحد للمذكَّر، والمؤنث، والمفرد، والجمع، وعليه قوله تعالى: {وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزاب: ١٨]، وفي لغة نجد تَلْحقها الضمائرُ، وتُطَابَقُ، فيقال: هَلُمِّي، وهَلُمَّا، وهَلُمُّوا، وهَلْمُمْنَ؛ لأنهم يجعلونها فعلًا، فيُلحقونها الضمائرَ، كما يُلحقونها قُمْ، وقُوما، وقُوموا، وقُمن، وقال أبو زيد: استعمالها بلفظ واحد للجميع من لغة عُقيل، وعليه قَيْس بَعْدُ، وإلحاق الضمائر من لغة بني تميم، وعليه أكثر العرب، وتُستعمل لازمةً، نحو: {هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزاب: ١٨]؛ أي: أَقْبِلْ، ومتعديةً، نحو: {هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ}


(١) "لسان العرب" ٣/ ٢٣١.
(٢) "المفهم" ٥/ ٣٦٠ - ٣٦١.