والحديث مختصر، وقد ساقه البخاريّ مطوّلًا من طريق أبي عوانة، عن سعيد بن مسروق، عن عباية بن رفاعة بن رافع، عن جدّه رافع بن خديج، قال: كنا مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بذي الحليفة، فأصاب الناس جوع، فأصبنا إبلًا وغنمًا، وكان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في أخريات الناس، فعجَّلوا، فنصبوا القدور، فدفع إليهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فأمر بالقدور فأُكفئت، ثم قَسَم، فعَدَل عشرة من الغنم ببعير، فَنَدَّ منها بعير، وكان في القوم خيل يسيرة، فطلبوه، فأعياهم، فأهوى إليه رجل بسهم، فحبسه الله، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إن لهذه البهائم أوابد، كأوابد الوحش، فما نَدَّ عليكم منها فاصنعوا به هكذا"، قال: وقال جدّي: إنا لنرجو، أو نخاف أن نلقى العدو غدًا، وليس معنا مُدًى أفنذبح بالقصب؟، فقال:"ما أنهر الدم، وذُكِر اسم الله عليه فَكُلْ، ليس السنَّ والظفرَ، وسأخبركم عنه، أما السنّ فعظم، وأما الظفر فمُدَى الحبشة".
(وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى) - بضم أوله، مخففًا، مقصورًا - جمع مدية - بسكون الدال، بعدها تحتانية -: وهي السكّين، سُمّيت بذلك؛ لأنها تقطع مَدَى الحيوان؛ أي: عمره، والرابط بين قوله:"نلقى العدوّ"، وقوله:"وليست معنا مدى"، يَحْتَمِل أن يكون مراده أنهم إذا لَقُوا العدو، صاروا بصدد أن يَغْنَمُوا منهم ما يذبحونه، ويَحْتَمِل أن يكون مراده أنهم يحتاجون، إلى ذبح ما يأكلونه؛ ليتقووا به على العدو، إذا لقوه، ويؤيده ما يأتي من قسمة الغنم، والإبل بينهم، فكان معهم ما يذبحونه، وكرهوا أن يذبحوا بسيوفهم؛ لئلا يضر ذلك بحدها، والحاجة ماسة له، فسأل عن الذي يُجزئ في الذبح، غير السكين والسيف، وهذا وجه الحصر في المدية والقصب ونحوه، مع إمكان ما في معنى المدية، وهو السيف.
وقد وقع في حديث غير هذا:"إنكم لاقو العدوّ غدًا، والفطر أقوى لكم"، فندبهم إلى الفطر ليتقووا، قاله في "الفتح"(١).
وقال في رواية إسماعيل بن مسلم الآتية:"فنُذكّي بالليط"، وفي رواية للبخاريّ:"أفنذبح بالقصب؟ ".