عن رفعها - يعني: الأمانة - فينام الرجل النومة، فتُقبَض الأمانة من قلبه، فيَظَلّ أثرها كأثر الوَكْت، ثم ينام النومة، فتُنْزَع الأمانة من قلبه، فَيَظَلّ أثرها كأنها المَجْل، كجمر دحرجته على رجلك، فَنَفِطَ، فتراه مُنتبِرًا، وليس فيه شيء، ولقد كنت وما أبالي أيَّكم بايعتُ، لئن كان مسلمًا، لَيَرُدّنَه عليّ دينه، وإن كان نصرانيًّا ليردنه عليّ ساعيه، وأما اليوم فإني لَمْ أكن لأبايع منكم إلَّا فلانًا وفلانًا، فيصبح الناس يتبايعون، وما يكاد أحدهم يؤدي الأمانة، حتى يقال: إن في بني فلان رجلًا أمينًا، وحتى يقال للرجل: ما أجلده، وما أظرفه، وأعقله، وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان". انتهى.
وأما طريق عيسى بن يونس، فساقها الإمام ابن حبّان - رَحِمَهُ اللهُ - في "صحيحه" (١٥/ ١٦٤)، فقال:
(٦٧٦٢) أخبرنا عبد الله بن محمد الأزديّ، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا عيسى بن يونس، حدثنا الأعمش، عن زيد بن وهب، عن حُذيفة، قال: حَدّثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثين، فرأيت أحدهما، وأنا أنتظر الآخر، حدثنا أنّ الأمانة نَزَلت في جِذْر قلوب الرجال، ونَزَل القرآن، فعلموا من القرآن، وعَلِمُوا من السنة، ثم حدّثنا عن رفعها، قال: ينام الرجال نومة، فتُقْبض الأمانة من قلبه، فيبقى أثرُها مثل أَثَر الوَكْت، ثم ينام الرجل نومةً، فتُقبض الأمانة من قلبه، فيبقى أثرها مثل أثر المَجْل، كجمر دحرجته على رجلك، فتراه مُنتبرًا، وليس فيه شيء، فيُصبح الناس يتبايعون، ولا يكاد أحدٌ يُؤدّي الأمانة، حتى يقال: إن في بني فلان رجلًا أمينًا، وحتى يقال للرجل: ما أجلده، وأطرفه (١)، وأعقله، وليس في قلبه مثقال حبة خردل من خير، ولقد أتى عليّ زمان، وما أُبالي أيَّكم بايعته، لئن كان مؤمنًا ليردنَّه عليّ دينُه، ولئن كان يهوديًّا أو نصرانيًّا ليردنَّه عليّ ساعيه، فأما اليوم في كنت أبايع إلَّا فلانًا وفلانًا. انتهى، الله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.