للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي الحديث دلالة على أن تحريم ادّخار لحم الأضاحي كان لعلة، فلما زالت العلة زال التحريم، قال الكرمانيّ: فإن قلت: فهل يجب الأكل من لحمها؛ لظاهر الأمر، وهو قوله: "كلوا"؟.

قلت: ظاهره حقيقة في الوجوب إذا لم تكن قرينة صارفة عنه، وكان ثمة قرينة على أنه لرفع الحرمة؛ أي: للإباحة، ثم إن الأصوليين اختلفوا في الأمر الوارد بعد الحظر: أهو للوجوب، أم للإباحة؟ ولئن سلمنا أنه الوجوب حقيقة، فالإجماع هنا مانع من الحمل عليها. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: دعوى الكرماني الإجماع في المسألة غير صحيحة، فقد قال به ابن حزم، ونقله عن بعض السلف، فأين الإجماع؟ والصحيح في كون الأمر هنا للإباحة هو كونها بعد الحظر، فإن الصحيح من أقوال العلماء أنه بعده يعود إلى ما كان عليه قبلُ، وكان الأكل قبل ذلك مباحًا، فعاد إليه، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

(فَأَرَدْتُ أَنْ يَفْشُوَ فِيهِمْ") قال النوويّ: هكذا هو في جميع نُسخ مسلم: "يفشو" بالفاء، والشين؛ أي: يشيع لحم الأضاحي في الناس، وينتفع به المحتاجون، ووقع في رواية البخاريّ: "يعينوا" بالعين، من الإعانة، قال القاضي عياض رحمه اللهُ في "شرح مسلم": الذي في مسلم أشبه، وقال في "المشارق": كلاهما صحيح، والذي في البخاريّ أوجه، والله أعلم.

ووقع في رواية البخاريّ: "فأردت أن تعينوا فيها"، قال في "الفتح": قوله: "فأردت أن تعينوا فيها" كذا هنا من الإعانة، وفي رواية مسلم، عن محمد بن المثنى، عن أبي عاصم، شيخ البخاري فيه: "فأردت أن تفشوا فيهم"، وللإسماعيليّ، عن أبي يعلى، عن أبي خيثمة، عن أبي عاصم: "فأردت أن تقسموا فيهم، كلوا، وأطعموا، وادخروا قال عياض: الضمير في "تعينوا فيها" للمشقة المفهومة من الجهد، أو من الشدة، أو من السَّنَة؛ لأنها سبب الجهد، وفي "أن تفشوا فيهم أي: في الناس المحتاجين إليها، قال في "المشارق": ورواية البخاريّ أوجه، وقال في "شرح مسلم": ورواية مسلم أشبه.


(١) "عمدة القاري" ٢١/ ١٦٠.