أنه من خماسيّات المصنّف، وهو في حكم الرباعيّات؛ لأن فيه رواية صحابيّ، عن صحابيّ، وهما في درجة واحدة، فكأنهما راو واحد، وأنه مسلسلٌ بالتحديث، وأن فيه رواية صحابيّ عن صحابيّ، وفيه أحد الخلفاء الأربعة، والعشرة المبشّرين بالجنّة، وفيه أبو الطفيل، وهو آخر من مات من الصحابة - رضي الله عنهم - على الإطلاق، قاله مسلم وغيره.
شرح الحديث:
(عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ) - رضي الله عنه - أنه (قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ) لم يُعرف هذا الرجل، وفي الرواية التالية:"قلنا لعليّ بن أبي طالب … "، (فَقَالَ) الرجل (مَا) استفهاميّة؛ أي: أي شيء (كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُسِرُّ إِلَيْكَ؟) بضم حرف المضارعة، من الإسرار، وهو خلاف الجهر؛ أي: يُخفيه عن غيرك، ويخبرك به. (قَالَ) أبو الطفيل (فَغَضِبَ) وفي رواية النسائيّ: "فغضب عليّ حتى احمرّ وجهه"؛ أي: من شدّة غضبه؛ وإنما غضب - رضي الله عنه - من هذا السؤال؛ لتضمّنه باطلًا، وهو التقوّل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما افترته الشيعة عليه، وأشاعته بين الناس من أنه - صلى الله عليه وسلم - أسرّ إلى عليّ وأهل بيته أسرارًا ما أسرّها إلى غيرهم، فأغضبه هذا الافتراء. (وَقَالَ: مَا) نافية، (كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُسِرُّ إِلَيَّ شَيْئًا يَكْتُمُهُ النَّاسَ) قال أبو العبّاس القرطبيّ - رحمه الله -: قول عليّ - رضي الله عنه - هذا فيه ردّ، وتكذيب للفِرَق الغالية فيه، وهم: الشيعة، والإماميّة، والرافضة، الزاعمون أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وصّى لعليّ - رضي الله عنه -، وولّاه بالنصّ، وأسرّ إليه، دون الناس كلِّهم بعلوم عظيمة، وأمور كثيرة، وهذه كلّها منهم أكاذيب، وتُرّهاتٌ، وتمويهاتٌ، يشهد بفسادها نصوص متبوعهم، وما تقتضيه العادات من انتشار ما تدعو إليه الحاجة العامّة، وغَضَبُ عليّ - رضي الله عنه - على ذلك دليلٌ على أنه لا يرتضي شيئًا مما قيل هنالك. انتهى (١).
(غَيْرَ) منصوب على الاستثناء، كما قال في "الخلاصة":