للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث:

عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ (أَنَّ أَبَا كَثِيرٍ) يزيد بن عبد الرَّحمن، وقيل: غيره، كما تقدّم آنفًا. (حَدَّثَهُ)؛ أي: حدّث يحيى بنَ أبي كثير (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) - رضي الله عنه - أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -") وفي الراوية التالية: "سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -"، ("الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ) قال البيهقي - رَحِمَهُ اللهُ -: ليس المراد الحصر فيها؛ لأنه ثبت أن الخمر تُتخذ من غيرهما في حديث عمر وغيره، وإنما فيه الإشارة إلى أن الخمر شرعًا لا تختص بالمتخذ من العنب. انتهى.

وقال السنديّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا ليس على وجه القصر عليهما، بل المعنى أنه منهما، ولا يُقتصر على العنب. وقيل: المقصود بيان ذلك لأهل المدينة، ولم يكن عندهم مشروب إلَّا من هذين النوعين. وقيل: إن معظم ما يُتّخذ من الخمر، أو أشدّ ما يكون في معنى المخامرة والإسكار إنما هو من هاتين. انتهى.

وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا دليل على أنَّ الأنبذة المتّخذة من التمر، والزهو، والزبيب، وغيرها تُسمّى خمرًا، وهي حرام، إذا كانت مسكرة، وهو مذهب الجمهور، كما سبق، وليس فيه نفي الخمريّة عن نبيذ الذُّرَة، والعسل، والشعير، وغير ذلك، فقد ثبت في تلك الألفاظ أحاديث صحيحة بأنها كلها خمر وحرام. انتهى (١).

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "الخمر من هاتين الشجرتين": حجة للجمهور على تسمية ما يُعتصر من غير العنب بالخمر إذا أسكر، كما قدَّمناه، ولا حجة فيه لأبي حنيفة على قوله، حيث قَصَر الحكم بالتحريم على هاتين الشجرتين؛ لأنه قد جاء في أحاديث أُخَر ما يقتضي تحريم كلّ ما أسكر، كقوله: "كلّ مسكر حرام"، و"كلّ ما أسكر حرام"، وحديث معاذ - رضي الله عنه - حيث سُئل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن شراب العسل، والذُّرَة، والشعير؟ فقال: "أَنْهَى عن كلّ مسكر"، وإنما خصّ في هذا الحديث هاتين الشجرتين بالذِّكر؛ لأنَّ أكثر الخمر


(١) "شرح النوويّ" ١٣/ ١٥٣ - ١٥٤.