[تنبيه]: من غريب ما رأيت ما كتبه بعض محققي (١)"صحيح مسلم" معلّقًا على رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة، قال: وكأن هذا وهمٌ ممن روى عن يحيى، أو اضطرب فيه يحيى بن أبي كثير، والصواب رواية الجمع الكثير عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، وهي المختارة عن البخاريّ. انتهى كلامه.
وهذا منه بحث غريب ما سبق أحد من النقاد فيما علمت، أراد به الطعن على مسلم حيث أخرجه مع علّته، فيما ظنّه، والصواب عدم إخراجها، وتركها كما تركها البخاريّ للعلة المذكورة، والغريب قوله:"رواية الجمع الكثير عن يحيى. . . إلخ" من هم الجمع الكثير الذين رووه عن يحيى؟ فقد أخرجه مسلم من رواية هشام الدستوائيّ، وهي التي شاركه فيها البخاريُّ، ومن رواية حجاج الصوّاف، وهما اللذان اقتصرا على رواية يحيى عن عبد الله بن أبي قتادة، ثم أخرجه من رواية علي بن المبارك، وحسين المعلّم، وأبان بن يزيد العطّار كلهم عن يحيى بن أبي كثير بالطريقين: طريق أبي سلمة، عن أبي قتادة، وطريق عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، وزاد أبو عوانة في "مسنده" رواية معمر، عن يحيى بالطريقين أيضًا، فاتّفق الأربعة على أن يحيى روى الحديث بالطريقين، هكذا رواه مسلم وغيره مفصّلًا محقّقًا، ثم طعن هذا الزاعم على مسلم، وغيره بمخالفة الجمع الكثير، فأين هؤلاء المخالفون للأربعة؟، وقد سبق لهذا الزاعم غير مرّة مثل هذه الجرأة في الطعن علي مسلم نبّهت على بعضها في محلّها، فليُنتبه لها، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
وقوله:(وَزَعَمَ يَحْيَى. . . إلخ) هو ابن أبي كثير، و"زعم" هنا للقول المحقّق؛ يعني: أن يحيى بن أبي كثير قال: لقيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي قَتَادَةَ بعد ما حدّثني أبو سلمة، فَحَدَّثني عبد الله عَنْ أَبِيهِ أبي قتادة عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمِثْلِ ما حدّثني عنه أبو سلمة بن عبد الرحمن.
ولفظ أبي عوانة: "قال: فسألت عن ذلك عبد الله بن أبي قتادة، فأخبرني
(١) هو: فضيلة الشيخ مسلم بن محمود عثمان الأثريّ، على ما كُتب في غلاف النسخة.