وكلّهم تقدّموا في الباب الماضي، غير ابن شهاب، فتقدّم قبل أربعة أبواب.
[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد:
أنه من رباعيّات المصنف، كلاحقه، وهو (٣٧٤) من رباعيّات الكتاب.
شرح الحديث:
(عَنْ أنسِ بْنِ مَالِكٍ) - رضي الله عنه - (أَنَّهُ)؛ أي: أنسًا (أَخْبَرَهُ)؛ أي: أخبر ابنَ شهاب (أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الدُّبَّاءِ)؛ أي: عن الانتباذ في الدّبّاء، بضمّ الدال المهملة، وتشديد الموحّدة، والمدّ، وجوّز فيه بعضهم القصر، وهو القرع اليابس؛ أي: الوعاء منه. (وَالْمُزَفَّتِ) هو المقيّر، كما فسّره به ابن عمر في كلامه الآتي، وهو المطليّ بالقار، وهو الزِّفْت، وقوله:(أَنْ يُنْبَذَ فِيهِ) بالبناء للمفعول، وهو في تأويل المصدر بدل من "الدباء" و"المزفّت"، وأفرد الضمير باعتبار المذكور.
قال الجامع عفا الله عنه: قد تقدّم في أوائل "كتاب الإيمان"[٦/ ١٢٤](١٧) شرح أحاديث هذا الباب، وبيان معاني هذه الألفاظ عند ذكر حديث وفد عبد القيس، فلا حاجة إلى الإطالة بإعادة ذلك، وإنما نذكر حَلّ بعض ما يُستشكَل، وما لم يتقدّم ذِكره هناك.
وخلاصة القول - كما قال النوويّ: - أن الانتباذ في هذه الأوعية مَنهيًّا عنه في أول الإسلام؛ خوفًا من أن يصير مُسكرًا فيها، ولا يُعلَم به؛ لكثافتها، فتتلف ماليّته، وربما شربه الإنسان ظانًّا أنه لم يصر مسكرًا، فيصير شاربًا للمسكر، وكان العهد قريبًا بإباحة المسكر، فلما طال الزمان، واشتهر تحريم المسكر، وتقرر ذلك في نفوسهم نُسِخ ذلك، وأبيح لهم الانتباذ في كل وعاء، بشرط أن لا يشربوا مسكرًا، وهذا صريحُ قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث بُريدة المذكور في آخر هذه الأحاديث:"كنت نهيتكم عن الانتباذ إلا في سقاء، فاشربوا في كل وِعاء، غير أن لا تشربوا مسكرًا"، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.