للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المدينة، ثم اتُّسِع فيها، فقيل للخزف كله: حنتم، واحدتها حنتمة، وإنما نَهَى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن الانتباذ فيها؛ لأنها تُسرع الشدةُ فيها لأجل دَهْنِها، وقيل: لأنها كانت تُعْمل من طين يُعْجَن بالدّم، فنُهِي عنها؛ لِيُمْتَنَع عن عملها، قال ابن الأثير: والأول أوجه. انتهى (١).

وقال في موضع آخر: قال ابن عمر: الحنتم: هي الجرار كلها، وقال أنس بن مالك: جرار يؤتى بها من مصر مُقَيَّرات الأجواف، وقالت عائشة: جرار حُمْر أعناقها في جُنُوبها يُجلَب فيها الخمر من مصر، وقال ابن أبي ليلى: أفواهها في جُنوبها يُجلب فيها الخمر من الطائف، وكانوا يَنبذون فيها، وقال عطاء: هي جرار تُعمل من طين، ودَمٍ، وشَعْرٍ، وفي "الْمُحْكَمِ": الحنتم: جرار خُضْرٌ تَضْرِب إلى الحمرة، وفي "مجمع الغرائب": حُمْرٌ، وقال الخطابيّ هي جرة مَطْليّة بما يَسُدّ مَسَامّ الخزف، ولها التأثير في الانتباذ؛ لأنها كالمزَفَّت، وقال ابن حبيب (٢): الحنتم الْجَرّ، وكل ما كان من فَخّار أبيض، وأخضر، وقال المازريّ: قال بعض أهل العلم: ليس كذلك، إنما الحنتم ما طُلِي من الفَخّار بالحنتم المعمول بالزجاج وغيره. انتهى (٣).

وقال الكرمانيّ: مفهوم الأخضر يقتضي مخالفة حكم الأبيض له، وأجاب بأن شرط اعتبار المفهوم أن لا يكون الكلام خارجًا مخرج الغالب، وكانت عادتهم الانتباذ في الجرار الْخُضْر، فذكر الأخضر لبيان الواقع، لا للاحتراز، وقال الخطابيّ: لم يتعَلَّق الحكم في ذلك بخضرة الجرّ وبياضه، وإنما يتعلّق بالإسكار، وذلك أن الجرار أوعية متينة قد يتغير فيها الشراب، ولا يَشْعُر به، فنُهوا عن الانتباذ فيها، وأُمروا أن ينتبذوا في الأسقية لرقّتها، فإذا تغيّر الشراب فيها يُعْلَم حالها، فيُجتنب عنه، وأما ذِكر الخضرة فمن أجل أن الجرار التي كانوا ينتبذون فيها كانت خُضْرًا، والأبيض بمثابته فيه، والآنية لا تُحَرِّم شيئًا ولا تحلله.


(١) "عمدة القاري" ٢١/ ١٨٠.
(٢) وقع في النسخة: "وقال أبي حبيب"، والظاهر أنه مصحّف من ابن حبيب، فليُحرّر، والله أعلم.
(٣) "عمدة القاري" ١/ ٣٠٥.