للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المزفت، وقال: "كلّ مسكر حرام"، قال: فقلت له: صدقت، المسكر حرام، فالشربة، والشربتان على الطعام، فقال: ما أسكر كثيره، فقليله حرام، وهذا سند صحيح على شرط مسلم، والصحابيّ أعرف بالمراد، ممن تأخر بعده، ولهذا قال عبد الله بن المبارك ما قال. انتهى ما في "الفتح" (١).

قال الجامع عفا الله عنه: لقد أجاد الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ - في تتبّع أحاديث النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المرويّة في تحريم شرب المسكر، ولو لَمْ يَسْكَر، فمحاولة الطحاويّ، ومن تبعه في تأويل حديث: "كلّ شراب أسكر فهو حرام" بأن المراد السكر منه، لا تناول ما لا يُسكر؛ يعني: القليل منه محاولةٌ فاشلة، باطلة يُبطلها ما صحّ عن جماهير الصحابة، والتابعين في حَمْلهم الحديث على أنَّ المراد منه شرب المسكر، سواء أسكر؛ لكثرته، أم لَمْ يُسكر لقلّته.

والحاصل أن ما أسكر كثيره، فقليله حرام، فلا يحلّ شرب النبيذ إذا بلغ حدّ الإسكار، ولو لَمْ يَسكر منه؛ لنصّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على تحريمه، والله تعالى أعلم.

[تنبيه]: أخرج النسائيّ - رَحِمَهُ اللهُ - بسند حسن، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: عَلِمْتُ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصوم، فتحيّنت فِطره بنبيذ صنعته له في دباء، فجئته به، فقال: "أَدْنِهِ"، فأدنيته منه، فإذا هو يَنِشّ، فقال: "اضْرِب بهذا الحائطَ، فإن هذا شراب من لا يؤمِن بالله واليوم الآخر".

قال أبو عبد الرَّحمن - النسائيّ -: وفي هذا دليل على تحريم السكر قليله وكثيره، وليس كما يقول المخادعون لأنفسهم بتحريمهم آخر الشربة، وتحليلهم ما تقدمها الذي يُشْرَب في الفَرَق قبلها، ولا خلاف بين أهل العلم أن السُّكْرَ بكلّيته لا يَحْدُث على الشربة الآخرة، دون الأولى والثانية بعدها، وبالله التوفيق. انتهى (٢).

[فائدة]: رأيت للعلامة اللغويّ أحمد بن محمد بن عليّ المقرئ الفيّوميّ


(١) "الفتح" ١٢/ ٦٠٨ - ٦١١، كتاب "الأشربة" رقم (٥٥٨٥).
(٢) "سنن النسائيّ - المجتبى" ٨/ ٣٠١.