للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٠)} [التوبة: ٤٠].

٦ - (ومنها): ما قاله بعضهم في قول الصديّق -رضي اللَّه عنه-: "فشرب حتى رضِيتُ": هذا تعبير لطيف من الصدّيق -رضي اللَّه عنه- لِمَا طُبع عليه من حبّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والمراد أنه شرب من اللبن ما يكفيه، فسكن به اضطراب الصدّيق -رضي اللَّه عنه- الذي حَدَث له بما رأى عليه النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من أثر الجوع، فإن المحبّ الصادق يرتاح براحة الحبيب أكثر مما يرتاح بها الحبيب (١).

٧ - (ومنها): بيان جواز شرب المسافر من لبن الغنم في الطريق للحاجة بالصفة التي وقعت لأبي بكر -رضي اللَّه عنه- من سؤال الراعي: هل تحلب لي؟ فإذا وافق جاز، وإن لم يكن صاحبها حاضرًا.

قال المهلّب بن أبي صُفرة: إنما شرب النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من لبن تلك الغنم؛ لأنه كان حينئذٍ في زمن المكارَمة، ولا يعارضه حديثه: "لا يَحْلُبنّ أحد ماشية أحد إلا بإذنه"؛ لأن ذلك وقع في زمن التشاحّ، أو الثاني محمول على التسوّر والاختلاس، والأول لم يقع فيه ذلك، بل قَدَّم أبو بكر سؤال الراعي، هل أنت حالب؟ فقال: نعم، كأنه سأله: هل أَذِن لك صاحب الغنم في حلبها لمن يَرِدُ عليك؟ فقال: نعم، أو جرى على العادة المألوفة للعرب في إباحة ذلك، والإذن في الحلب على المارّ، ولابن السبيل، فكان كل راع مأذونًا له في ذلك.

وقال الداوديّ: إنما شرب من ذلك على أنه ابن سبيل، وله شُرب ذلك إذا احتاج، ولا سيما النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأبْعَدَ من قال: إنما استجازه؛ لأنه مال حربيّ؛ لأن القتال لم يكن فُرِض بعدُ، ولا أبيحت الغنائم. انتهى (٢)، واللَّه تعالى أعلم.


(١) راجع: "تكملة فتح الملهم" ٣/ ٦٥٢.
(٢) "الفتح" ٨/ ٣٢٤، كتاب "فضائل أصحاب النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-" رقم (٣٦٥٢).