للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبيّ: "إيلياء" هي بيت المقدس، وهو ممدود بهمزة التأنيث، ولذلك لا ينصرف. انتهى (١).

وكتب في الهامش: ويقال: إيليا مقصورًا، ويقال: أَلْيَا على وزن عَلْيا، ثلاث لغات.

وقوله: (فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا، فَأَخَذَ اللَّبَنَ) في هذه الرواية محذوف تقديره: أُتِي بقدحين، فقيل له: "اختر أَيَّهما شئت؟ " كما جاء مُصَرَّحًا به في رواية البخاريّ، وقد سبق في الرواية التي تقدّمت في "كتاب الإيمان" بلفظ: "فأُتيت بإناءين، في أحدهما لبن، وفي الآخر خمر، فقيل لي: خذ أيهما شئت، فأخذت اللبن. . . " الحديث.

وقوله: (فَأَخَذَ اللَّبَنَ)، أي: فألهمه اللَّه تعالى اختيار اللبن، لِمَا أراده -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- من توفيق هذه الأمة، واللطف بها، فللَّه الحمد والمنّة.

وقوله: (فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَام-: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ. . . . إلخ") قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وقول جبريل -عَلَيْهِ السَّلَام-: "أصبت الفطرة"، قيل في معناه أقوال المختار منها: أن اللَّه تعالى أعلم جبريل -عَلَيْهِ السَّلَام- أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إن اختار اللبن كان كذا، وإن اختار الخمر كان كذا، وأما الفطرة فالمراد بها هنا الإسلام، والاستقامة، وقد قدَّمنا شرح هذا كله، وبيان الفطرة، وسبب اختيار اللبن في أول الكتاب، في "باب الإسراء" من "كتاب الإيمان".

وقوله: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ. . . إلخ) فيه استحباب حمد اللَّه عند تجدد النعم، وحصول ما كان الإنسان يتوقع حصوله، واندفاع ما كان يخاف وقوعه، قاله النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وقول جبريل -عَلَيْهِ السَّلَام-: "الحمد للَّه الذي هداك للفطرة" يعني بها: فطرة دين الإسلام، كما قال تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}، وقيل: جعل اللَّه ذلك علامة لجبريل -عَلَيْهِ السَّلَام- على هداية هذه الأمة؛ لأنَّ اللَّبن أوّل ما يغذّيه الإنسان، وهو قُوتٌ خَلِيّ عن المفاسد، به قوام الأجسام، ولذلك آثره النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على


(١) "المفهم" ٥/ ٢٧٩.