للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إذ مقابلة الجمع بالجمع تفيد التوزيع، فكأنه قال: كُفَّ أنت صبيّك، كذا قاله الكرمانيّ (١).

(وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ) فيه أن ذِكر اسم اللَّه تعالى مع فعل هذه المأمورات هو الحصن الحصين من الشياطين، (فَإِنَّ الشَّيْطَانَ) الفاء للتعليل؛ أي: لأن الشيطان (لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا، وَأَوْكُوا)؛ أي: اربطوا (قِرَبَكُمْ) بكسر القاف، وفتح الراء: جَمْع قِربة، وعاء من جلد، (وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ) من التخمير، وهو التغطية، (وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا) قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هو بضمّ الراء، وكسرها، والأول أصحّ، والمذكور بعد "لو" فاعل فعل مقدّر؛ أي: ولو ثبت أن تعرُضوا عليها شيئًا، وجواب "لو" محذوفٌ؛ أي: لو خمّرتموها عرضًا بشيء، نحو العُود وغيره، وذكرتم اسم اللَّه تعالى لكان كافيًا، والمقصود هو ذِكر اسم اللَّه تعالى مع كل فعل؛ صيانةً عن الشيطان، والوباء، والحشرات الهوَامّ. انتهى (٢).

(وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ") أمرٌ من الإطفاء، إنما أَمر بذلك لأنه جاء في "الصحيح": "أن الفويسقة جرّت الفتيلة، فأحرقت أهل البيت"، وهو عامّ يدخل فيه السراج وغيره، وأما القناديل المعلقة فإن خيف حريق بسببها دخلت في الأمر بالإطفاء، وإن أُمن ذلك، كما هو من الغالب، فالظاهر أنه لا بأس بها؛ لانتفاء العلة، وسبب ذلك أنه صلى على خُمرة، فجرّت الفتيلةَ الفأرةُ فأحرقت من الخُمرة مقدار الدرهم، فقال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك. نبّه عليه ابن العربيّ، وفي "سنن أبي داود" عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: "جاءت فأرة، فأخذت تجر الفتيلة، فجاءت بها، وألقتها بين يدي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على الخمرة التي كان قاعدًا عليها، فأحرقت منها موضع درهم" (٣).

والحديث متّفقٌ عليه، وقد مضى تخريجه، وبقيّة مسائله قبل ثلاثة أحاديث، وللَّه الحمد والمنّة.


(١) "عمدة القاري" ١٥/ ١٧٣.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٩/ ٢٨٨٧.
(٣) "عمدة القاري" ١٥/ ١٧٤.