للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث:

(عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) -رضي اللَّه عنهما- أنه (قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "غَطُّوا الإِنَاءَ) بفتح الغين المعجمة، وضمّ الطاء المهملة أمرٌ من التغطية؛ أي: اجعلوا عليه ساترًا، ولا تتركوه مكشوفًا، (وَأَوْكُوا السِّقَاءَ) بقطع الهمزة، من الإيكاء رباعيًّا، وتقدّم أن فيه لغةً قليلةً، وهي وَكَى يَكِي ثلاثيًّا، والمعنى: اربطوا فمه بالوِكاء، وهو ما يُربط به الشيء، ثم ذكر علّة الأمر بما ذُكر بالفاء التعليليّة، فقال: (فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الوباء يُمَدّ، ويُقصر، لغتان، حكاهما الجوهريّ وغيره، والقصر أشهر، قال الجوهريّ: جمع المقصور أوباء، وجمع الممدود أوبية، قالوا: والوباء مرض عامّ يُفضي إلى الموت غالبًا. انتهى (١).

وقال الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الوَبَاءُ بالهمز مرضٌ عامّ يُمَدّ، ويُقصَر، ويُجمع الممدود على أَوْبِئَةٍ، مثل مَتاع وأمتعة، والمقصور على أَوْبَاءٍ، مثلُ سبب وأسباب، وقد وَبئَتِ الأرضُ تَوْبَأُ، من باب تَعِبَ وَبْئًا، مثل فلس: كَثُر مَرَضها، فهي وَبِئَةٌ، ووَبِيئَةٌ، على فَعِلَة، وفَعِيلة، ووُبِئَتْ بالبناء للمفعول، فهي مَوْبُوءَةٌ؛ أي: ذات وباء. انتهى (٢).

وقال الأبيّ -بعد ذكر تفسير الجوهريّ للوباء-: قلت: الوباء المفسّر بما ذكره الجوهريّ هو الوباء المعروف، والأظهر أنه ليس المرادَ في الحديث، ويأتي الكلام عليه، وإنما هو وباء آخر، والنزول حقيقة إنما هو في الأجسام متحيّزة، ففيه أن هذا الشيء الذي ينزل متحيّز، واللَّه سبحانه أعلم بحقيقته. انتهى (٣).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا البحث الذي ذكره الأبيّ مما لا معنى له، فما المانع من كون المراد بالوباء هو الوباء المعروف، وأيّ وباء غيره؟، وما الداعي ليكون جسمًا متحيّزًا، أو غير متحيّز؟، هذا كلّه تكلّف وتعقيد لمعنى الحديث الواضح في الوباء المعروف عند أهل اللغة بلا حجة، ولا برهان، واللَّه تعالى المستعان.


(١) "شرح النوويّ" ١٣/ ١٨٦ - ١٨٧.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٦٤٦.
(٣) "شرح الأبيّ" ٥/ ٣٣١.