الروايتين فيه نظر لا يخفى؛ فإن رواية عيسى أيضًا بـ "ثمّ"، لا بالواو، كما سيأتي في التنبيه التالي، ولا سيّما وقد قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن الشيطان لمّا أعياه أن نَدَع ذِكْر اسم اللَّه على طعامنا، جاء بهذا الأعرابيّ يستحلّ به طعامنا، فلما حبسناه، جاء بهذه الجارية يستحلّ بها طعامنا"، فقد أوضح أن مجيء الأعرابيّ أول، ومجيء الجارية ثان، فلا وجه لِمَا قاله النوويّ، فتأمله بالإمعان.
والوجه عندي أن تُرَجّح رواية عيسى بتقديم الأعرابيّ على الجارية؛ لأنه تابعه على ذلك سفيان الثوريّ عند أحمد في "مسنده"(٥/ ٣٩٧)، والحاكم في "المستدرك"(٤/ ١٢١)، وحفص بن غياث، كما عند أبي عوانة في "مسنده"(٥/ ١٦١)، فاتّفق الثلاثة عن الأعمش في تقديم الأعرابيّ على الجارية، فتُقدَّم روايتهم على رواية أبي معاوية، وهو وإن كان أحفظ لرواية الأعمش من غيره إلا الثوريّ يقدَّم عليه فيه، ولا سيّما مع متابعة عيسى، وحفص بن غياث له، فتنبّه.
هذا هو الذي ظهر لي، وأما مسلم -رَحِمَهُ اللَّهُ- فظاهر صنيعه ترجيح رواية أبي معاوية، حيث أوردها مورد الأصل، ثم ذكر رواية سفيان الثوريّ الثالثة متابعةً لها، وهذا ترجيح وجيه، لكني لم أجد رواية سفيان إلا بتقديم الأعرابيّ، كرواية عيسى، فليُتأمل، واللَّه تعالى أعلم.
وقوله:(ثُمَّ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ، وَأَكَلَ)؛ يعني: أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعدما أخبر بواقعة دفع الشيطان للجارية، والأعرابيّ، وإمساك يديه مع أيديهما سمّى اللَّه تعالى، وأكل من ذلك الطعام، واللَّه تعالى أعلم.
[تنبيه]: رواية عيسى بن يونس، عن الأعمش هذه ساقها النسائيّ في "الكبرى" بسند المصنّف، فقال:
(١٠١٠٣) - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا عيسى بن يونس، قال: حدّثنا الأعمش، عن خيثمة، عن أبي حذيفة، عن حذيفة، قال: كنّا إذا كنّا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فدُعينا إلى طعام لم نضع أيدينا حتى يضع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يده، فدُعينا إلى طعام، فلم يضع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يده، فكففنا أيدينا، فجاء أعرابيّ كأنما يُطْرَد، فأهوى بيده إلى القصعة، فأخذ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بيده، فأجلسه، ثم جاءت جارية، فأهوت بيدها إلى القصعة، فأخذ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-