للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

جعفر، عن أبي سهيل بن مالك، عن أبيه، عن طلحة بن عبيد الله: أن أعرابيًّا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثائر الرأس، فقال: يا رسول الله، أخبرني ماذا فَرَضَ الله عليّ من الصلاة؟ فقال: "الصلوات الخمس، إلَّا أن تَطّوّع شيئًا"، فقال: أخبرني ما فرض الله عليّ من الصيام؟ قال: "صيام شهر رمضان، إلَّا أن تَطّوّع"، فقال: أخبرني ما فَرَضَ الله عليّ من الزكاة؟ قال: فأخبره بشرائع الإسلام، فقال: والذي أكرمك، لا أتطَوّع شيئًا، ولا أنقص مما فَرَضَ الله عليّ شيئًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أفلح وأبيه، إن كان صدق، أو دخل الجَنَّة وأبيه، إن كان صدق". انتهى.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (أفلح وأبيه، إن صدق) قال النوويّ رحمه الله تعالى: هذا مما جرت عادتهم أن يسألوا عن الجواب عنه، مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من كان حالفًا، فَلْيَحْلِف بالله"، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم".

وجوابه: أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أفلح وأبيه"، ليس هو حَلِفًا، إنما هو كلمة جرت عادة العرب أن تُدخِلها في كلامها غير قاصدة بها حقيقةَ الحلف، كما جَرَى على لسانها عَقْرَى حَلْقَى، وما أشبه ذلك، والنهيُ إنما وَرَدَ فيمن قصد الحلف؛ لما فيه من إعظام المحلوف به، ومضاهاته به الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -، قال النوويّ رحمه الله تعالى: فهذا هو الجواب المرضيّ.

وقيل: يحتمل أن يكون هذا قبل النهي عن الحلف بغير الله تعالى، أو فيه إضمار اسم الربّ، كأنه قال: ورب أبيه، وقيل: هو خاصّ، ويحتاج إلى دليل.

وحَكَى السهيليُّ عن بعض مشايخه أنه قال: هو تصحيف، وإنما كان "والله"، فقُصِرت اللَّامان، واستنكر القرطبي هذا، وقال: إنه يَخْرِمُ الثقة بالروايات الصحيحة.

وغَفَلَ القرافيّ، فادَّعَى أن الرواية بلفظ "وأبيه" لم تصحّ؛ لأنَّها ليست في "الموطإ"، وكأنه لم يَرْتَضِ الجوابَ، فعَدَلَ إلى ردّ الخبر، وهو صحيحٌ لا مِرْيَةَ فيه، وأقوى الأجوبة الأولان.

وقال ابن بطال: دَلّ قوله: "أفلح إن صدق"، على أنه إن لم يَصْدُق فيما التزم لا يفلح، وهذا بخلاف قول المرجئة.