قال الخطابيّ وغيره: كانت العادة جاريةً لملوك الجاهلية، ورؤسائهم بتقديم الأيمن في الشرب، حتى قال عمرو بن كلثوم في قصيدة له [من الطويل]:
وَكَانَ الْكَأْسُ مَجْرَاهَا الْيَمِينَا
فخَشِي عمر لذلك أن يقدِّم الأعرابيّ على أبي بكر في الشرب، فنبّه عليه؛ لأنه احتَمَل عنده أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يُؤْثِر تقديم أبي بكر على تلك العادة، فتصير السُّنَّة تقديم الأفضل في الشرب على الأيمن، فبَيَّن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بفعله وقوله أن تلك العادة لم تغيّرها السُّنَّة، وأنها مستمرّة، وأن الأيمن يقدَّم على الأفضل في ذلك، ولا يلزم من ذلك حط رتبة الأفضل، وكان ذلك لفضل اليمين على اليسار. انتهى (١).
(فَأَعْطَاهُ)؛ أي: أعطى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك اللبن (أَعْرَابِيًّا عَنْ يَمِينِهِ) قيل: إن الأعرابيّ هو خالد بن الوليد، حكاه ابن التين، وتُعُقّب بأن مثله لا يقال له: أعرابيّ، وكأن الحامل له على ذلك أنه رأى في حديث ابن عباس الذي أخرجه الترمذيّ، قال:"دخلت أنا وخالد بن الوليد على ميمونة، فجاءتنا بإناء من لبن، فشرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنا على يمينه، وخالد على شماله، فقال لي: الشَّرْبة لك، فإن شئت آثرتَ بها خالدًا"، فقلت: ما كنت أُوثر على سؤرك أحدًا، فظنّ أن القصة واحدة، وليس كذلك، فإن هذه القصة في بيت ميمونة، وقصة أنس في دار أنس، فافترقا، نعم يصلح أن يُعَدّ خالد من الأشياخ المذكورين في حديث سهل بن سعد، والغلام هو ابن عباس، ويقوّيه قوله في حديث سهل أيضًا: ما كنت أوثر بفضلي منك أحدًا، ولم يقع ذلك في حديث أنس، وليس في حديث ابن عباس ما يمنع أن يكون مع خالد بن الوليد في بيت ميمونة غيره، بل قد روى ابن أبي حازم، عن أبيه، في حديث سهل بن سعد ذِكر أبي بكر الصديق فيمن كان على يساره - صلى الله عليه وسلم -. ذكره ابن عبد البرّ، وخَطّأه.
قال ابن الجوزيّ: إنما استأذن الغلامَ، ولم يستأذن الأعرابيّ؛ لأن