٢ - (ومنها): بيان مشروعية تقديم من هو على يمين الشارب في الشرب، وإن كان صغيرًا، أو مفضولًا بالنسبة إلى من كان على يسار الشارب؛ لفضل جهة اليمين على جهة اليسار، فقد قدّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأعرابيّ، والغلام على أبي بكر.
قال في "العمدة: وهل هو على جهة الاستحباب، أو أنه حقّ ثابت للجالس على اليمين؟ فقال القاضي عياض: إنه سُنَّةٌ، قال: وهذا مما لا خلاف فيه، وكذا قال النوويّ: إنها سُنَّة واضحة، وخالف فيه ابن حزم، فقال: لا بُدّ من مناولة الأيمن كائنًا من كان، فلا يجوز مناولة غير الأيمن إلا بإذن الأيمن، قال: ومن لم يُرِدْ أن يناول أحدًا فله ذلك.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله ابن حزم هو الحقّ الذي عليه ظواهر النصوص، فلا ينبغي عنها العدول إلا لنصّ صحيح، فلا يجوز تقديم غير الأيمن إلا بإذنه، ولم يأت من ادّعى الاستحباب بصارف يصرف الأمر عن الوجوب إليه، فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى أعلم.
[فإن قلت]: في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أخرجه أبو يعلى بإسناد صحيح، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سقى قال: "ابدأوا بالكبراء"، أو قال: "بالأكابر"، فكيف الجمع بينه وبين أحاديث الباب؟.
[أجيب]: بأن هذا الحديث يُحْمَل على ما إذا لم يكن على جهة يمينه - صلى الله عليه وسلم -، بل كان الحاضرون تلقاء وجهه مثلًا، أو وراءه.
وقال النوويّ: وأما تقديم الأفاضل والكبار، فهو عند التساوي في باقي الأوصاف، ولهذا يقدَّم الأعلم، والأقرأ على الأسنّ النسيب في الإمامة في الصلاة. انتهى.
٣ - (ومنها): ما قيل: إن غير المشروب، مثل الفاكهة، واللحم، ونحوهما، هل حكمه حكم الماء؟ فنُقل عن مالك تخصيص ذلك بالشرب، وقال ابن عبد البر وغيره: لا يصحّ هذا عن مالك، وقال القاضي عياض: يُشْبِه أن يكون قول مالك: إن السُّنَّة وردت في الشرب خاصّة، وإنما يقدَّم الأيمن، فالأيمن في غيره بالقياس؛ لأن السُّنَّة منصوصة فيه، وكيف ما كان فالعلماء متفقون على استحباب التيامن في الشرب، وأشباهه.