للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إكرام جليسه، وإيفاء حقّ معاشره، ومواساته فيما يحصل. انتهى كلام النوويّ - رحمه الله -.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي في قوله: "على أنه كان هناك عذر يمنع. . . إلخ" نظر؛ إذ الظاهر من سياق الحديث أن المانع من الإجابة هو عدم سماح الفارسيّ لعائشة - رضي الله عنها - في مصاحبته - صلى الله عليه وسلم - في أكل الطعام، لا أمر آخر، فيُستفاد منه أن المدعوّ إذا كانت زوجته، أو من عليه نفقته محتاجين إلى الطعام، فله أن يمتنع من الإجابة، إلا أن يؤذَن لهم، فيكون هذا عذرًا من الأعذار التي تُسقط وجوب إجابة الدعوة.

وقال في "الفتح": وأما ما أخرجه مسلم من حديث أنس - رضي الله عنه - "أن فارسيًّا كان طيب المرق صنع للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - طعامًا. . . إلخ"، فيجاب عنه بأن الدعوة لم تكن لوليمة، وإنما صنع الفارسيّ طعامًا بقدر ما يكفي الواحد، فخشي إن أذن لعائشة أن لا يكفي النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ويَحْتَمِل أن يكون الفرق أن عائشة - رضي الله عنها - كانت حاضرة عند الدعوة، بخلاف الرجل في قصّة أبي شعيب، وأيضًا فالمستحب للداعي أن يدعو خواصّ المدعوّ معه، كما فعل اللحّام بخلاف الفارسيّ، فلذلك امتنع - صلى الله عليه وسلم - من الإجابة إلا أن يدعوها، أو عَلِم حاجة عائشة لذلك الطعام بعينه، أو أحب أن تأكل معه منه؛ لأنه كان موصوفًا بالجودة، ولم يعلم مثله في قصة اللحّام. انتهى (١).

٣ - (ومنها): أن النسائيّ - رحمه الله - استنبط من هذا الحديث وقوع الطلاق بالإشارة المفهومة، ووجه الاستدلال بالحديث أن الإشارة المفهومة تُستعمل في المقاصد؛ لأن الفارسيّ دعا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - للطعام بالإشارة، ففهمها - صلى الله عليه وسلم -، وبنى على ذلك، أنْ طَلَب منه الإذن لعائشة - رضي الله عنها -، وراجعه في ذلك حتى أَذِن لها، فمضيا إلى بيته بناء على ذلك، فدلّ على أن الإشارة تقوم مقام العبارة إذا كانت مفهومة.

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الاستدلال لا يتمّ على رواية مسلم؛ لأنها بالقول الصريح، لا بالإشارة، وإنما يتمّ على رواية النسائيّ؛ لأنها بالإشارة،


(١) "الفتح" ١٢/ ٣٥٤، كتاب "الأطعمة" رقم (٥٤٣٤).