للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(قَالَا: الْجُوعُ) فاعل لفعل مقدَّر دلّ عليه السؤال؛ أي: أخرجنا الجوع (يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("وَأَنَا) بالواو، وفي بعض النسخ: "فأنا" بالفاء، (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) فيه الحَلِف من غير استحلاف، (لأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا)؛ أي: وهو الجوع.

قال النوويّ - رحمه الله -: وأما قولهما - رضي الله عنهما -: "أخرجنا الجوع"، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما": فمعناه: أنهما لِمَا كانا عليه من مراقبة الله تعالى، ولزوم طاعته، والاشتغال به، فعَرَض لهما هذا الجوع الذي يُزعجهما، ويُقلقهما، ويمنعهما من كمال النشاط للعبادة، وتمام التلذذ بها، سَعَيَا في إزالته بالخروج في طلب سبب مباح، يدفعانه به، وهذا من أكمل الطاعات، وأبلغ أنواع المراقبات، وقد نُهي عن الصلاة مع مدافعة الأخبثين، وبحضرة طعام، تتوق النفس إليه، وفي ثوب له أعلام، وبحضرة المتحدثين، وغير ذلك، مما يَشْغَل قلبه، ونُهي القاضي عن القضاء في حال غضبه، وجوعه، وهمّه، وشدة فرحه، وغير ذلك، مما يَشغَل قلبه، ويمنعه كمال الفكر، والله أعلم. انتهى (١).

ثم قال لهما: (قُومُوا") أمرٌ بالقيام لطلب العيش عند الحاجة، (فَقَامُوا مَعَهُ) قال الطيبيّ - رحمه الله -: هكذا هو في الأصول بضمير الجمع، وهو جائز، فمن قال: إن أقل الجمع اثنان فظاهرٌ، ومن قال: إن أقله ثلاثة فمجاز. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: قد تقدّم غير مرّة أن المذهب الصحيح أن أقل الجمع اثنان؛ لأدلّة كثيرة، قد أوضحتها في "التحفة المرضيّة"، و"شرحها" في الأصول، فراجعها، وبالله تعالى التوفيق.

ووقع في بعض النسخ بلفظ: "قوما، فقاما معه"، وهو ظاهر، والله تعالى أعلم.

(فَأَتَى) - صلى الله عليه وسلم - (رَجُلًا)؛ أي: بيت رجل، أو قَصَده، (مِنَ الأَنْصَارِ) قال الطيبيّ - رحمه الله -: إفراد الضمير، وإسناده إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بعد قوله: "قوموا، فقاموا"


(١) "شرح النوويّ" ١٣/ ٢١٢.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٩/ ٢٨٦٧.